تمهيد بين يدي السورة
١ ـ سورة المائدة هي السورة الخامسة من سور القرآن الكريم في ترتيب المصحف ، فقد سبقتها سور : الفاتحة ، والبقرة ، وآل عمران ، والنساء.
٢ ـ وهي مدنية باتفاق العلماء. بناء على القول الذي رجحه العلماء من أن القرآن المدني هو الذي نزل على رسول الله صلىاللهعليهوسلم بعد الهجرة ولو كان نزوله في غير المدينة.
٣ ـ وعدد آياتها عشرون ومائة آية عند الكوفيين ؛ ويرى الحجازيون والشاميون أن عدد آياتها اثنتان وعشرون ومائة آية ، ويرى البصريون أن عدد آياتها ثلاث وعشرون ومائة آية.
٤ ـ ولهذه السورة الكريمة أسماء أشهرها : المائدة.
وسميت بهذا الاسم ، لأنها انفردت بذكر قصة المائدة التي طلب الحواريون من عيسى ـ عليهالسلام ـ نزولها من السماء. وقد حكى الله ـ تعالى ـ ذلك في آخر السورة في قوله ـ تعالى ـ : (إِذْ قالَ الْحَوارِيُّونَ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ) (الآيات من ١١٢ : ١١٥) وتسمى أيضا بسورة العقود ، لأنها السورة الوحيدة التي افتتحت بطلب الإيفاء بالعقود. قال ـ تعالى ـ : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) وتسمى ـ أيضا ـ المنقذة.
قال القرطبي : وروى عنه صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «سورة المائدة تدعى في ملكوت الله المنقذة. تنقذ صاحبها من أيدى ملائكة العذاب (١)».
٥ ـ ووجه اتصالها بسورة النساء ـ كما يقول الآلوسى ـ «أن سورة النساء قد اشتملت على عدة عقود : صريحا وضمنا. فالصريح : عقود الأنكحة وعقد الصداق. وعقد الحلف. وعقد المعاهدة والأمان. والضمنى : عقد الوصية والوديعة. والوكالة. والعارية. والإجارة. وغير ذلك مما يدخل في قوله ـ تعالى ـ (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها).
فناسب أن تعقب بسورة مفتتحة بالأمر بالوفاء بالعقود. فكأنه قيل : يا أيها الناس أوفوا بالعقود التي فرغ من ذكرها في السورة التي تمت ، وإن كان في هذه السورة ـ أيضا ـ عقود.
ووجه تقديم النساء وتأخير المائدة. أن أول تلك (يا أَيُّهَا النَّاسُ) وفيها الخطاب بذلك في
__________________
(١) تفسير القرطبي : ج ٦ ص ٣٠ طبعة دار الكتب المصرية سنة ١٣٨٩ ه سنة ١٩٥٩