الدخول في الصلاة ، وما يجب عليهم أن يفعلوه إذا ما كانوا جنبا ، وما يجب أن يفعلوه إذا ما فقدوا الماء أو عجزوا عن استعماله وكانوا يريدون الطهارة أو أداء ما عليهم من تكاليف ، كما بينت لهم حكمة الله في تشريعاته لهم ، ورعايته لمصالحهم حتى يشكروه على نعمه فيزيدهم منها.
ثم بعد أن بين ـ سبحانه ـ بعض مظاهر فضله على عباده ورحمته بهم ، أتبع ذلك بأمرهم بمداومة شكره ، وبالوفاء بعهده فقال : (وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثاقَهُ الَّذِي واثَقَكُمْ بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنا وَأَطَعْنا).
أى : تنبهوا أيها المؤمنون ـ بعقولكم وقلوبكم لما أسبغه الله عليكم من منن فداوموا على شكرها (وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ) بدين الإسلام الذي هديتم به إلى الصراط المستقيم ، واذكروا كذلك (مِيثاقَهُ الَّذِي واثَقَكُمْ بِهِ) أى : عهده الوثيق الذي أخذه عليكم ، وأمركم بالتزامه بكل قوة.
وقوله : (إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنا وَأَطَعْنا) ظرف لقوله (واثَقَكُمْ بِهِ) أى : إذ قلتم وقت أن أخذ عليكم العهد الموثق : سمعنا قولك وأطعنا أمرك.
فأنت ترى أن الآية الكريمة أوجبت على المؤمنين أمرين :
أولهما : التنبه إلى نعم الله وعلى رأس هذه النعم نعمة الهداية إلى دين الإسلام ، ومداومة شكره ـ سبحانه ـ على ذلك.
وثانيهما : الوفاء بعهوده التي أخذها عليهم ، وتقبلوها بالسمع والطاعة لأنهم متى شكروه على نعمه ، وكانوا أوفياء بعهودهم ، زادهم ـ سبحانه ـ من فضله وعطائه قال الفخر الرازي : وإنما قال : (وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ) ولم يقل نعمه عليكم ، لأنه ليس المقصود منه التأمل في أعداد نعم الله ، بل المقصود منه التأمل في جنس النعم. كالنظر إلى الحياة والصحة والعقل والهداية وحسن التدبير والصون عن الآفات والعاهات. فجنس هذه النعم لا يقدر عليه سوى الله ـ تعالى ـ فيكون وجوب الاشتغال بشكرها أتم وأكمل.
وإنما قال : (وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ) وهو يشعر بنسيانها مع أن مثلها في تواترها لا ينسى ، للإشارة إلى أنه لكثرة هذه النعم وتعاقبها ، صارت كالأمر المعتاد الذي لكثرة وجوده قد يغفل عنه المرء» (١) والمراد بالميثاق الذي أخذه عليهم ما جرى بين النبي صلىاللهعليهوسلم وبين المؤمنين من عهود على أن
__________________
(١) تفسير الفخر الرازي ج ١١ ص ١٧٨ ـ بتصرف وتلخيص ـ.