التقرير. وللإشارة إلى أنه ـ سبحانه ـ هو الذي قضى على موضع قوة أعدائهم ، ومناط شدتهم إذ الأيدى هي من أهم وسائل البطش والقتل.
أى : أنه ـ سبحانه ـ قد منع أيديهم عن أن تمتد إليكم بالأذى عقيب همهم بذلك دفاعا عنكم ـ أيها المؤمنون ـ وحماية لكم من الشرور ، فقابلوا ذلك بالشكر لخالقكم. وقوله : (وَاتَّقُوا اللهَ) معطوف على قوله : (اذْكُرُوا) وقوله : (وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) أمر لهم بالاعتماد على الله وحده.
أى : داوموا على شكر نعم الله عليكم ، وصونوا أنفسكم عن كل ما نهاكم عنه ، وعليه وحده اعتمدوا وتوكلوا فإنه ـ سبحانه ـ هو الفعال لما يريد ، وهو الذي يدفع الشر عمن توكل عليه ، ويعطى الخير لمن شكره وأطاعه.
فالجملة الكريمة تذييل مقرر لما قبله ، من وجوب المداومة على طاعة الله وشكره على نعمه.
وإلى هنا نرى أن السورة الكريمة قد وجهت إلى المؤمنين خمسة نداءات ، أمرتهم في أول نداء منها بالوفاء بالعقود. ونهتهم في الثاني عن إحلال شعائر الله ، وأرشدتهم في النداء الثالث إلى ما يجب عليهم أن يفعلوه إذا أرادوا الدخول في الصلاة ، وأمرتهم في النداء الرابع بالمداومة على القيام بالتكاليف التي كلفهم ـ سبحانه ـ بها وبالتزام العدل في أقوالهم وأحكامهم ، ثم أمرتهم في النداء الخامس بالتنبه إلى نعم الله ومداومة شكره عليها حيث نجاهم ـ سبحانه ـ مما أراده لهم أعداؤهم من شرور واستئصال وبعد هذه النداءات والتكليفات التي كلف الله ـ تعالى ـ بها المؤمنين ، شرعت السورة الكريمة في الحديث عن أحوال أهل الكتاب من اليهود ، فذكرت ما أخذه الله عليهم من عهود موثقة ، وموقفهم منها ، وعقوبتهم على نقضهم لها. فقال ـ تعالى ـ :
(وَلَقَدْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَبَعَثْنا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً وَقالَ اللهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ