مُبِينٌ (١٥) يَهْدِي بِهِ اللهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ)(١٦)
والمعنى : (يا أَهْلَ الْكِتابِ) من اليهود والنصارى (قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا) محمد صلىاللهعليهوسلم (يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتابِ) أى : يظهر لكم كثيرا من الأحكام والمسائل التي ذكرتها كتبكم وكتمتموها عن الناس ، كإخفائكم صفة النبي صلىاللهعليهوسلم التي تجدونها في التوراة والإنجيل وكتمانكم ما جاء فيها من بشارات تبشر به. وغير ذلك من الأحكام التي أخفاها علماؤكم عن العامة ، وتولى الرسول صلىاللهعليهوسلم إعلانها إظهارا للحق ، ووضعا للأمور في نصابها.
وقوله : (وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ) أى : يعرض ولا يظهر كثيرا مما كنتم تخفونه ، لأنه لا ضرورة تدعو إلى بيانه ، ولا فائدة تعود على الناس من وراء إظهاره ، ففي السكوت عنه رحمة بكم ، وصيانة لكم عن الافتضاح والمؤاخذة.
يقال : عفا عن المذنب ، أى : ستر عنه ذنبه فلم يعاقبه عليه.
والمراد بالكتاب في قوله (يا أَهْلَ الْكِتابِ) جنس الكتب ، فيشمل التوراة والإنجيل.
وفي ندائهم بهذا الوصف حمل لهم على الدخول في الإسلام ؛ فإن علمهم بما في كتبهم من بشارات بالرسول صلىاللهعليهوسلم يدعوهم إلى الإيمان به. فإذا لم يؤمنوا به مع علمهم بأنه رسول صادق في رسالته كانت مذمتهم أشد وأقبح ، وكان عقابهم على كتمانهم الحق أعظم وأقسى. وكان التعبير بقوله ـ تعالى ـ (قَدْ جاءَكُمْ) للإشارة إلى أنه صلىاللهعليهوسلم قد وصل إليهم ، ويعيش بينهم ، فهم يرونه ويراهم ، ويخاطبهم ويخاطبونه ، ليسمعوا منه ما يشهد بصدقه بدون حجاب أو وساطة.
وفي التعبير بقوله ـ تعالى ـ (رَسُولُنا) تشريف للرسول صلىاللهعليهوسلم حيث أضافه ـ سبحانه ـ إلى ذاته ، وفيه كذلك إيذان بوجوب اتباعه لأنه رسول مبلغ عن الله ـ تعالى ـ ما يأمره بتبليغه بدون تغيير أو تبديل.
والمراد بالكتاب في قوله : (تُخْفُونَ مِنَ الْكِتابِ) التوراة والإنجيل. فقد امتدت أيدى اليهود والنصارى إلى هذين الكتابين فغيروا وبدلوا فيهما على حسب ما تمليه عليهم أهواؤهم وشهواتهم.
وفي إظهار الرسول صلىاللهعليهوسلم للكثير مما كتموه ، وعفوه عن الكثير مما أخفوه ، معجزة له ، لأنه لم