يقرأ كتابا ، ولم يجلس أمام معلم ، فإخباره بأسرار ما في كتبهم إخبار عن أمور مغيبة ، فيكون معجزة له تحملهم على الإيمان به فيما يدعوهم إليه.
ثم مدح الله ـ تعالى ـ رسوله ، وما جاء به من الخير والهدى فقال : (قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللهِ نُورٌ وَكِتابٌ مُبِينٌ).
والمراد بالنور هنا : محمد صلىاللهعليهوسلم فهو نور الأنوار ـ كما يقول الآلوسى.
والمراد بالكتاب : القرآن الكريم الذي أنزله ـ تعالى ـ على نبيه صلىاللهعليهوسلم والجملة الكريمة مستأنفة مسوقة لبيان أن فائدة مجيء الرسول صلىاللهعليهوسلم ليست منحصرة فيما ذكر من بيان ما كانوا يخفونه ، بل له منافع أخرى لا تحصى.
قال ابن جرير ما ملخصه ، قوله : تعالى ـ (قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللهِ نُورٌ وَكِتابٌ مُبِينٌ) يقول ـ جل ثناؤه ـ لهؤلاء الذين خاطبهم من أهل الكتاب : «قد جاءكم يا أهل التوراة والإنجيل من الله نور هو محمد صلىاللهعليهوسلم الذي أنار الله به الحق ، وأظهر به الإسلام ومحق به الشرك» قوله (وَكِتابٌ مُبِينٌ) يعنى : «كتابا فيه بيان ما اختلفوا فيه بينهم من توحيد الله ، وحلاله وحرامه وشرائع دينه وهو القرآن الذي أنزله على نبينا محمد صلىاللهعليهوسلم» (١).
ويرى بعض المفسرين أن المراد بالنور وبالكتاب هنا : القرآن الكريم.
وقد اقتصر على هذا التفسير صاحب الكشاف فقال : قوله : (قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللهِ نُورٌ وَكِتابٌ مُبِينٌ) يريد القرآن لكشفه ظلمات الشرك والشك ، ولإبانته ما كان خافيا عن الناس من الحق ، أو لأنه ظاهر الإعجاز» (٢).
ويبدو لنا أن ما ذهب إليه ابن جرير أرجح ، لأن العطف في الغالب يقتضى المغايرة في الذات إذ الرسول صلىاللهعليهوسلم قد جاء للناس برسالة هي نور في شخصه صلىاللهعليهوسلم كما جاءهم بالقرآن الكريم الدال على صدقه في رسالته.
ثم بين ـ سبحانه ـ الغاية من رسالته صلىاللهعليهوسلم فقال ـ تعالى ـ (يَهْدِي بِهِ اللهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَهُ سُبُلَ السَّلامِ).
والضمير في قوله (بِهِ) يعود إلى مجموع ما ذكر ، أو إلى الكتاب المبين باعتباره أقرب مذكور و (سُبُلَ) جمع سبيل بمعنى طريق. و (السَّلامِ) مصدر بمعنى السلامة.
والمعنى : قد جاءكم ـ يا معشر أهل الكتاب ـ من الله نور وكتاب مبين. يهدى الله ـ تعالى ـ
__________________
(١) تفسير ابن جرير ج ٦ ص ١٦١
(٢) تفسير الكشاف ج ١ ص ٦١٧