في قولهما قوله : (يا أَهْلَ الْكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ) الآية (١).
وقوله (عَلى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ) أى : على انقطاع من الرسل ، إذ الفترة هي الزمن بين زمنين ، ويكون فيها سكون عما يكون في هذين الزمنين.
قال الراغب : الفتور سكون بعد حدة ، ولين بعد شدة ، وضعف بعد قوة. قال ـ تعالى ـ (يا أَهْلَ الْكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ) أى : سكون خال عن مجيء رسول الله صلىاللهعليهوسلم وقوله (يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لا يَفْتُرُونَ) أى لا يسكنون عن نشاطهم في العادة» (٢). فأصل الفتور : السكون والانقطاع. يقال فتر عن عمله إذا انقطع عما كان عليه من الجد والنشاط.
والمعنى : يا أهل الكتاب من اليهود والنصارى ، يا من أنزل الله ـ تعالى ـ الكتب السماوية على أنبيائكم لهدايتكم وسعادتكم ، ها هو ذا رسولنا محمد صلىاللهعليهوسلم قد جاءكم لكي يبين لكم شرائع الدين ، والطريق الحق الذي يوصلكم إلى السعادة الدينية والدنيوية ، وذلك بعد انقطاع من الرسل ، وطموس من السبل ، وضلال في العقائد ، وفساد في الأفكار والمعاملات.
قال الإمام ابن كثير ما ملخصه : قوله ـ تعالى ـ : (عَلى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ) أى : بعد مدة متطاولة ما بين إرساله صلىاللهعليهوسلم وبين عيسى ابن مريم. وقد اختلفوا في مقدار هذه الفترة كم هي؟
فعن قتادة خمسمائة وستون سنة.
وكانت هذه الفترة بين عيسى ابن مريم ـ آخر أنبياء بنى إسرائيل ـ وبين محمد صلىاللهعليهوسلم خاتم النبيين من بنى آدم على الإطلاق ، كما ثبت في «صحيح البخاري» عن أبى هريرة أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «أنا أولى الناس بابن مريم ليس بيني وبينه نبي» وهذا فيه رد على من زعم أنه بعث بعد عيسى نبي يقال له خالد بن سنان.
والمقصود من هذه الآية ، أن الله ـ تعالى ـ بعث محمدا صلىاللهعليهوسلم على فترة من الرسل ، وطموس من السبل ، وتغير الأديان ، وكثرة عبّاد الأوثان والنيران والصلبان ، فكانت النعمة به أتم النعم (٣).
وفي ندائه ـ سبحانه ـ لليهود والنصارى بقوله : (يا أَهْلَ الْكِتابِ) تنبيه لهم إلى أن مصاحبتهم للكتاب وكونهم أهل معرفة ، يوجبان عليهم المبادرة إلى اتباع الرسول صلىاللهعليهوسلم الذي بشرت بمبعثه كتبهم التي بين أيديهم ، والذي يعرفون صدقه كما يعرفون أبناءهم. وإلا فسيكون
__________________
(١) تفسير ابن جرير ج ٦ ص ١٦٦
(٢) المفردات في غريب القرآن ص ٣٧١ للراغب الاصفهانى
(٣) تفسير ابن كثير ج ٢ ص ٣٥