والحق في الأصل مصدر حق إذا ثبت ، ثم صار اسما للأمر الثابت الذي لا ينكر ، وهو ضد الباطل.
وقوله (وَيَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ قَوْلُهُ الْحَقُ) أى : وقضاؤه المعروف بالحقيقة كائن ، حين يقول ـ سبحانه ـ لشيء من الأشياء «كن فيكون» ذلك الشيء ويحدث.
و (يَوْمَ) خبر مقدم ، و (قَوْلُهُ) مبتدأ مؤخر ، و (الْحَقُ) صفته.
والجملة الكريمة بيان لقدرته ـ تعالى ـ على حشر المخلوقات بكون مراده لا يتخلف عن أمره ، وإن قوله هو النافذ وأمره هو الواقع قال ـ تعالى ـ (إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ).
وفي قوله (قَوْلُهُ الْحَقُ) صيغة قصر للمبالغة أى : هو الحق الكامل ، لأن أقوال غيره وإن كان فيها كثير من الحق فهي معرضة للخطأ وما كان فيها غير معرض للخطأ فهو من وحى الله أو من نعمته بالعقل والإصابة للحق.
وقوله (وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ) أى : أن الملك لله تعالى وحده في ذلك اليوم فلا ملك لأحد سواه.
قال أبو السعود : «وتقييد اختصاص الملك له ـ تعالى ـ بذلك اليوم مع عموم الاختصاص لجميع الأوقات لغاية ظهور ذلك بانقطاع العلائق المجازية الكائنة في الدنيا المصححة للملكية المجازية في الجملة ، فهو كقوله ـ تعالى ـ (لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ) وقوله : (الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمنِ).
المراد «بالصور» القرن الذي ينفخ فيه الملك نفخة الصعق والموت ، ونفخة البعث والنشور والله أعلم بحقيقته.
وروى الإمام أحمد عن عبد الله بن عمرو قال : إن أعرابيا سأل النبي صلىاللهعليهوسلم عن الصور فقال : «قرن ينفخ فيه» رواه أبو داود والترمذي والحاكم عنه أيضا.
وقيل المراد بالصور هنا جمع صورة والمراد بها الأبدان أى : يوم ينفخ في صور الموجودات فتعود إلى الحياة.
ثم ختمت الآية بما يدل على سعة علم الله ـ تعالى ـ وعظم إتقانه في صنعه فقال ـ تعالى ـ : (عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ).
الغيب. ما غاب عن الناس فلم يدركوه. الشهادة : ضد الغيب وهي الأمور التي يشاهدها الناس ويتوصلون إلى علمها.