وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ. وَلَوْ أَنَّنا نَزَّلْنا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتى وَحَشَرْنا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً ما كانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ).
ثم تستطرد السورة الكريمة فتحكى بعض رذائل المشركين في مآكلهم وذبائحهم ، وتنهى المؤمنين عن الأكل من الذبائح التي لم يذكر اسم الله عليها إلا في حالة الاضطرار ، ثم تغرس فيهم خلق الحياء من الله فتأمرهم أن يتركوا الفواحش ما ظهر وما بطن ، ثم تبين لهم أن المشركين سيثيرون الشكوك والشبهات حول عقيدتهم فعليهم أن يهملوا مجادلاتهم وأن يتركوهم في طغيانهم يعمهون :
قال تعالى : (فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ بِآياتِهِ مُؤْمِنِينَ* وَما لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ ما حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ ، وَإِنَّ كَثِيراً لَيُضِلُّونَ بِأَهْوائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ ، إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ* وَذَرُوا ظاهِرَ الْإِثْمِ وَباطِنَهُ ، إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الْإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِما كانُوا يَقْتَرِفُونَ* وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ ، وَإِنَّ الشَّياطِينَ لَيُوحُونَ إِلى أَوْلِيائِهِمْ لِيُجادِلُوكُمْ ، وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ).
ثم تضرب السورة الأمثال للكفر والإيمان ، فتشبه الكفر بالموت وتشبه الإيمان بالحياة ، فكما أنه لا يتساوى الميت مع الحي ، فكذلك لا يتساوى الضال الذي هو كالميت مع المؤمن الذي يحيا حياة طيبة وله نور يمشى به في الناس ، ثم تبين أنه من دأب الجاحدين والحاقدين محاربة الحق ، وأنه ليس بغريب أن يحارب زعماء قريش الدعوة الإسلامية لأنهم يحسدون صاحبها على ما آتاه الله من فضله ، ويطلبون أن تكون النبوة فيهم مع أن النبوة هبة من الله يهبها لمن يشاء من عباده ، وأنهم بسبب هذا الحقد سيصيبهم عذاب شديد من الله ـ عزوجل ـ.
قال تعالى : (أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ وَجَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُماتِ لَيْسَ بِخارِجٍ مِنْها ، كَذلِكَ زُيِّنَ لِلْكافِرِينَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ* وَكَذلِكَ جَعَلْنا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكابِرَ مُجْرِمِيها لِيَمْكُرُوا فِيها ، وَما يَمْكُرُونَ إِلَّا بِأَنْفُسِهِمْ وَما يَشْعُرُونَ* وَإِذا جاءَتْهُمْ آيَةٌ قالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتى مِثْلَ ما أُوتِيَ رُسُلُ اللهِ* اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا صَغارٌ عِنْدَ اللهِ وَعَذابٌ شَدِيدٌ بِما كانُوا يَمْكُرُونَ* فَمَنْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّما يَصَّعَّدُ فِي السَّماءِ ، كَذلِكَ يَجْعَلُ اللهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ* وَهذا صِراطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيماً قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ).
فإذا ما وصلنا إلى الربع الثامن من سورة الأنعام ، رأيناها تعرض مشهدا من مشاهد يوم القيامة ، تعرض مشهد الحشر للجن والإنس وهم يتناقشون ويتلاومون ويتحسرون ، ولكن ذلك لن يفيدهم لأنهم قد وسوس بعضهم إلى بعض زخارف من الأباطيل والأكاذيب. تعرض