أرضيت بهؤلاء من قومك؟ أهؤلاء الذين منّ الله عليهم من بيننا؟ أنحن نصير تبعا لهؤلاء؟ لا .. اطردهم فلعلك إن طردتهم نتبعك. فنزلت هذه الآية (١) :
ففي الآية الكريمة نهى النبي صلىاللهعليهوسلم عن أن يطرد هؤلاء الضعفاء من مجلسه. لأنه وإن كان صلىاللهعليهوسلم يميل إلى تأليف قلوب الأقوياء للإسلام لينال بقوتهم قوة ، إلا أن الله تعالى بين له أن القوة في الإيمان والعمل الصالح ، وأن هؤلاء الضعفاء من المؤمنين قد وصفهم خالقهم بأنهم يتضرعون إليه في كل أوقاتهم ولا يقصدون بعبادتهم إلا وجه الله ، فكيف يطردون من مجالس الخير؟.
ثم قال تعالى : (ما عَلَيْكَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ ، وَما مِنْ حِسابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ).
أى : إن الله تعالى هو الذي سيتولى حسابهم وجزاءهم ولن يعود عليك من حسابهم شيء ، كما أنه لا يعود عليهم من حسابك شيء ، فهم مجزيون بأعمالهم ، كما أنك أنت يا محمد مجزى بعملك ، فإن طردتهم استجابة لرضى غيرهم كنت من الظالمين. إذ أنهم لم يصدر عنهم ما يستوجب ذلك ، وحاشا للرسول صلىاللهعليهوسلم أن يطرد قوما تلك هي صفاتهم.
قال صاحب الكشاف : فإن قلت : أما كفى قوله (ما عَلَيْكَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ) حتى ضم إليه (وَما مِنْ حِسابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ)؟ قلت : قد جعلت الجملتان بمنزلة جملة واحدة وقصد بهما مؤدى واحد وهو المعنى في قوله : (وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى) ولا يستقل بهذا المعنى إلا الجملتان جميعا كأنه قيل : لا تؤاخذ أنت ولا هم بحساب صاحبه.
وقيل : الضمير للمشركين. والمعنى : لا يؤاخذون بحسابك ولا أنت بحسابهم حتى يهمك إيمانهم ويحركك الحرص عليه إلى أن تطرد المؤمنين) (٢).
وهنا تخريج آخر لقوله : (ما عَلَيْكَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ ، وَما مِنْ حِسابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ) بأن المعنى : ما عليك شيء من حساب رزقهم ان كانوا فقراء ، وما من حسابك في الفقر والغنى عليهم من شيء ، أى أنت مبشر ومنذر ومبلغ للناس جميعا سواء منهم الفقير والغنى ، فكيف تطرد فقيرا لفقره ، وتقرب غنيا لغناه؟ إنك إن فعلت ذلك كنت من الظالمين ، ومعاذ الله أن يكون ذلك منك.
وقوله (فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ) جواب للنهى عن الطرد ، وقوله (فَتَطْرُدَهُمْ) جواب لنفى الحساب.
__________________
(١) تفسير ابن كثير ج ٣ ص ١٠٤.
(٢) تفسير الكشاف ج ٢ ص ٢٣.