وروى سهل عن شيوخه عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «القرآن حكمة الله بين عباده» (١) ، فمن تعلم القرآن ، وعمل به فكأنما استدرجت النبوة بين كتفيه لا الوحي ، يحاسب حساب الأنبياء إلا بتبليغ الرسالة.
وروى أيضا عن شيوخه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «القرآن حكمة من تعلم القرآن في شيبته خلط القرآن بلحمه ودمه ، ألا وإن النار لا تمس قلبا داعي القرآن ولا جسدا اجتنب محارمه ، وأحل حلاله ، وحرم حرامه ، وآمن بمحكمه ، ووقف عند متشابهه ، ولم يبتدع فيه» (٢).
وقال بعضهم : الحكمة أربعة أشياء العلم والحلم والعقل والمعرفة.
قال أبو بكر الوراق : الإفاقة مع الحكمة ، قال الله تعالى : (وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً).
(وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللهَ يَعْلَمُهُ وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ (٢٧٠) إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوها وَتُؤْتُوهَا الْفُقَراءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئاتِكُمْ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (٢٧١) لَيْسَ عَلَيْكَ هُداهُمْ وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ وَما تُنْفِقُونَ إِلاَّ ابْتِغاءَ وَجْهِ اللهِ وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ (٢٧٢))
قوله تعالى : (وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللهَ يَعْلَمُهُ) يبشر أولياءه بعظيم المجازاة وجزيل المكافأة ، ويهيجهم إلى بذل الموجود والمجهود ، وأدبهم ليستعملوا خواطر الإلهام من عقد القلب وتلفظ باللسان ، ويحذر أولياءه باطلاعه على ضمائرهم وسرائرهم ، وأنه لا يقبل إلا من وجه الإخلاص ، وأعلم أنه يجازي كلا الفريقين المحسن بإحسانه والمسيء بسيئاته.
وقال الواسطي : أشار به إلى قوم لا يضرهم ولا ينفعهم مال ولا بنون ، أي : إن الله بعلمه يعلم من يختم له بخير.
(إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقاتِ فَنِعِمَّا هِيَ) إن كان الإعطاء من مقام اليقين بنعت التمكين ، وإن كان محقّا عن مطالعة النفس بنعت خصائص الإخلاص ، وأيضا أن أعلنت الإنفاق لتسبي بها قلوب المريدين وتهيج أسرارهم إلى بذل الأرواح في شرائط محبتنا (فَنِعِمَّا هِيَ) ،
__________________
(١) ذكره التستري في تفسيره (١ / ٦٠).
(٢) رواه البيهقي في «شعب الإيمان» (٢ / ٥٥٣) ، و «السنن الصغرى» (١ / ٥٤٣).