ويقال : آمن الخلق بالوسائط ، وآمن محمد صلىاللهعليهوسلم بغير واسطة.
ويقال : هذا خطاب الحق سبحانه وتعالى معه ليلة المعراج على جهة تعظيم القدر ، فقال : (آمَنَ الرَّسُولُ) ولم يقل آمنت كما يقول العظيم الشأن من الناس.
قال الشيخ : وأنت تريد قلته.
وقال ابن عطاء : إن النبي صلىاللهعليهوسلم معدن سر الحق أظهره للعام أوقفه على شريطة قوله : (آمَنَ الرَّسُولُ) ، وإذ أخفاه أخبر عنه بقوله : (فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى) [النجم : ١٠] ، وهو مستغرق أوقاته في انتظار ما يظهر عليه الحق من الزيادات على روحه وسره وفؤاده وقلبه وشخصه ؛ ألا تراه كيف نعته عن صفاته ، وقوله : (إِنَّكَ مَيِّتٌ) عن صفاتك لحياتك بنا وبإظهار صفاتنا عليك ، (وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ) [الزمر : ٣٠] عاجزون عن بلوغ درك صفاتك ، وإيمان رسول الله صلىاللهعليهوسلم إيمان مكاشفة ومشاهدة ، وإيمان المؤمنين إيمان بالوسائط والعلائق.
وقيل في قوله : (وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللهِ) : حكما وتسمية ، ولا المؤمن موجود ولا الإيمان ظاهر.
وقال فارس : (آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ) قال : إيمان حقيقة ومشاهدة (وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللهِ) إيمان حكم ومتابعة (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها) أي : لو أظهر من جمال عز الأزل صفة من صفاتي لا يطيق الخلق أن يستقيموا عند كشف ذرة منها ، لكن أواسيهم بلوائح التجلي بنعت الالتباس ؛ لكي لا يفنوا مثل تجلي موسى وعيسى ومحمد صلىاللهعليهوسلم ، وأيضا : تسربلت الأرواح بأنوار الكبرياء ، فاستقلوا بأنفسهم عند نهوضهم بأثقال المعرفة ، وما أدركت من عجائب الربوبية ، وهذا معنى قوله تعالى : (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَأَشْفَقْنَ مِنْها وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ) [الأحزاب : ٧٢] ، وأيضا : لا يكلف الله حق عبوديته نفوس أوليائه إلا قدر ما يطيقون من جهة التقصير والضعف عند تحمل حقيقة العبودية ؛ لأن من حق الربوبية أن تذوب الأرواح والأشباح في أول تكبيره كبروا تعظيما وإجلالا ، وأن الله تعالى ما أظهر للخلق من معرفته إلا مقدار ما يعيشون به من جهلهم بربوبية ربهم ، ولو أيقنوا أنهم في معزل من حقيقة العبودية وإدراك صرف الربوبية ماتوا حسرة على ما فاتوا ، (لَها ما كَسَبَتْ) أي : ما كسبت أرواحهم من مقاساة الهجران في دار الامتحان ، (وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ) ما اكتسبت النفوس من جرائم الخطرات عند مكاشفة الغيب للأسرار فيجازي الله النفوس في الدنيا بالذوب في المجاهدات ، ويجازي الأرواح في الآخرة بصرف المشاهدات ، (رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا) أي : لا