كما قال : قلت لها قفي ، قالت لي : قاف لكي لا يقف العاذلون على الأسرار ، ونطقوا بهذه الإشارة حذرا من استشراف المترقين ، هكذا سنة الإلهية خاطب خواص محبيه بالرموز والإشارات مثل الحروف المقطعة هي رموز من الحق لسادة أنبيائه وأوليائه تشريفا لهم وتعظيما على سائر الخلق ، ومن قرب من الله تعالى فالإشارة معه أدق والرمز معه أرق.
ألا ترى أنه تعالى أسمع كليمه كلامه أحسن العبارات ، وأسمع حبيبه خطابه بأجمل الإشارات ، قال عليهالسلام : «أوتيت جوامع الكلم ، واختصر الكلام اختصارا» (١).
وقيل : العبارات للعموم والإشارات للخصوص.
وقيل : الإشارة في قوله : «ألف» أراد قيامه بكفايتك على عموم أحوالك ، والإشارة من اللام إلى لطفه بك في خفي السر ، والإشارة من الميم موافقة جريان التقدير لمتعلقات الطلب من الأولياء ، ولا يتحرك في العالم شيء ، ولا يظهر ذرة إلا وهو محل الرضا منهم.
وإذا قرعت هذه الألفاظ أسماع المحبين تفهم حقائقها أسرارهم ، وتقرأ معانيها من ألواح الإلهام أرواحهم القدسية ، وكل حرف منها إشارة إلى اسم ، والاسم إشارة إلى فعل والفعل إشارة إلى الصفة والصفة إشارة إلى الذات ، فإذا لقيت هذه الرموز في قلوب العارفين رقوا مدارج الأسماء والأفعال والصفات حتى يبلغوا سرادق الكبرياء ، فيكشف لهم معلومات السرمدية من الحق للحق فيفطنون علوم المجهولة التي ليست في ديوان الملكوت.
وقيل : الألف من الأحدية ، واللام من اللطف ، والميم من الملك.
وقال ابن عطاء : إن الله جعل الأحرف سببا متصلا بالحلق ، وجعل المشكل لها سببا متصلا منه لها وهو سر الله ، يعني المشكل لا يعلمه إلا هو.
وقوله تعالى : (الْحَيُّ الْقَيُّومُ) الحي الذي لا تقاس حياته ببعد الأوهام ، ولا تدرك سرمدية ذاته بغوص فطن الأنام ، وأيضا (الْحَيُ) الذي حياته قام به العالم واستنارت بنورها روح آدم عليهالسلام ، و (الْقَيُّومُ) الذي يبقى ببقائه أهل الفناء ويفنى بقهر قيوميته أهل البقاء ، وأيضا (الْقَيُّومُ) هو المقدس عن العلائق وقيامه لخلقه بنعت حفظهم ورحمته عليهم روح الخلائق.
وقال الأستاذ : (الْحَيُّ الْقَيُّومُ) الذي لا يلهو فيشغل عنك ، ولا يسهو فيبقى عنه فهو على عموم أحوالك رقيب سرك إن خلوت فهو رقيبك ، وإن توسطت الخلق فهو قريبك.
__________________
(١) رواه أحمد في مسنده (٢ / ٢٥٠) ، وابن أبي شيبة في «المصنف» (٩ / ٣١٨) ، والبيهقي في «شعب الإيمان» (٢ / ١٦٠).