وقيل : حين صدقوا في حسن الاستعانة أيدوا بأنوار الكفاية ، (رَبَّنا إِنَّكَ جامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ) إنك جامع أهل الحقيقة على بساط القربة على بساط الكرامة ، والموقنون على بساط المشاهدة والمحبون على بساط الوصل ، والعارفون على محل الأنس ، وكل طائفة تبلغ عندك بطي منتهى مقاصدهم التي كانوا في الدنيا من رسم المقامات والحالات والمكاشفات والمشاهدات.
وقال الأستاذ : اليوم جمع الأحباب على بساط الاقتراب وغدا جمع الكافة لمحل الثواب والعقاب اليوم جمع الأسرار لكشف الجلال والجمال ، وغدا جمع الأستار لشهود الأهوال ومقاساة ما أخبر عنه من تلك الأحوال ، (إِنَّ اللهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعادَ) لا يخلف ما وعد لأنبيائه وأوليائه من وصولهم إلى مشاهدته بعد ما خاطبهم حين أبدع أرواحهم قبل وجود الكونين تعريف نفسه لهم بلا كلفة العذاب ومشقة الحساب ، وأيضا لا سبيل لتغير الحدثان إلى قدم علم الرحماني ؛ لأنه تعالى منزه عن أن يفعل شيئا بعلم يحدث في نفسه.
وقال الشيخ أبو عبد الرحمن السلمي : الميعاد الذي وعد من السعادة والشقاوة في أزلي علمه لا يخلف ميعادا لزهد زاهد ، ولا لفسق فاسق.
قال الواسطي في قوله : (إِنَّ اللهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعادَ) قال : في إنزال كل واحد ما كان من الأعواض إيصال الخواص إلى محل الخاص من اللقاء والقرب ، (وَاللهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشاءُ) يؤيد حتى يجاهد نفسه على شرائط السنة (مَنْ يَشاءُ) من خواص عباده ، وأيضا ألبس أولياءه أنوار هيبته ليفرق الشيطان بها عن أسرار مراقباتهم.
وقيل : يوفق من يشاء من عباده للزوم السنة ، وترك البدعة.
(زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ) ابتلاهم حتى يظهروا الصادق بترك هذه الشهوات من الكاذب بالشروع في طلبها.
قيل : من اشتغل بهذه الأشياء قطعه عن طريق الحق ، ومن استصغرها ، وأعرض عنها عوض عنها السلامة منها ، وفتح له الطريق إلى الحقائق.
(قُلْ أَأُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ) أي : لمن اتقى الله عما سوى الله جنات المقامات في المداناة فإن تبقى المتقي من الدنيا وشهواتها فله جنه اليقين ، وإن تبقي المتقي من الآخرة فله جنة المكاشفة ، وإن تبقى من النفس فله جنة المشاهدة بنعت الرضا كما قال تعالى : (يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (٢٧) ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ راضِيَةً مَرْضِيَّةً (٢٨)) [الفجر : ٢٧ ، ٢٨].