وقيل : من عمل رجاء الجنة فإن غاية بلوغه إلى غاية رجائه من دخول الجنة ، ومن كانت معاملته على رؤية الرضا فإن له الرضوان ، قال الله تعالى : (وَرِضْوانٌ مِنَ اللهِ أَكْبَرُ) [التوبة : ٧٢].
وقوله تعالى : (اللهُ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ) (١) بصير بالعباد في تقلب أرواحهم في عالم الملكوت محترقات من سطوات أنوار الجبروت حبّا لجواره وشوقا إلى لقائه ، يجازيهم بقدر همومها في صرف طلب وجه الأزلي وجمال الأبدي.
وقيل : عالم بهمم العاملين وإرادتهم.
(الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحارِ (١٧) شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ قائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (١٨))
قوله تعالى : (الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحارِ) الصابرين عن جميع حظوظهم لله ، والصادقين في معاملة الله ، والقانتين بنعت الرضا عن الله ، والمنفقين نفوسهم لله وبالله ، والمستغفرين عن التفاتهم إلى غير الله بالأسحار حين أشرقت أنوار المشاهدة لأهل المكاشفة.
وأيضا : الصابرين عن الله بالله ، وبالله لله ، ولله في الله ، ولله مع الله ، والصادقين في دعوى محبة الله بنعت كشف مشاهدة الله ، والقانتين بشرط الإخلاص في عبودية الله ، والمنفقين حياتهم في رضا الله ، والمستغفرين عن الخطرات في أوقات المناجاة.
وقيل : الصابرين على صدق المقصود ، والصادقين في العهود ، والقانتين لحفظ الحدود ، والمستغفرين عن أعمالهم وأحوالهم عند استيلاء سلطان التوحيد.
وقيل : الصابرين الذين صبروا على الطلب ، ولم يتعللوا بالهرب ، ولم يحتشموا من التعب ، وهجروا كل راحة وطرب يصبرون على البلوى ، ورفضوا الشكوى حتى وصلوا إلى الموتى ، ولم يقطعهم شيء من الدنيا والعقبى.
والصادقين : الذين صدقوا في الطلب فقصدوا ، ثم وردوا ثم صدقوا حين شهدوا ، ثم صدقوا حتى وجدوا ، ثم صدقوا حتى فقدوا تزينهم قصودا ، ثم ورودا ، ثم شهودتهم وجودا ، ثم خمودا.
__________________
(١) أي : بنياتهم ومقادير ما يستحقونه بها على حسب إخلاصها ، وبغير ذلك من أعمالهم وأقوالهم وسائر أحوالهم. نظم الدرر (٢ / ٥).