(شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ) إن الله تبارك وتعالى وتقدس كان بداية وصفاته عالما وعارفا كما ينبغي منه لنفسه فشهد بنفسه لنفسه قبل القبل ، وكون البعد وكون الكون ؛ فليس مقابل علمه بنفسه جهل ، وليس مقابل معرفته بنفسه نكرة ، وليس مقابل شهادته بنفسه عجز ووحشة ، بل وصف نفسه بنفسه ، وشكر نفسه بنفسه ، إذ ليس للخلق إلى معرفته ، والعلم بنفسه سبيل فأثنى بنفسه على نفسه لعلمه بعجز خلقه عن معرفة وجوده ، فمراده من شهادته بنفسه قبل وجود العالم تعليما لعباده تلطفا منه عليهم ، وإلا هو منزه عن وجود الخلق ، (إِنَّ اللهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ) [العنكبوت : ٦] ، فشهادته لنفسه حقيقة ، وشهادة الخلق له رسم ، والحقيقة بدت من الحقيقة ، وتعود إلى الحقيقة ، والرسم بدء من الرسم ، ويعود إلى الرسم ؛ لأن القدم مفرد عن الحدث من جميع الوجوه علما ورسما وحقيقة.
ثم خلق الملائكة وكشف لهم ذرة من نور قدرته فاقتبسوا من نوره نورا فأبصروا به آثار أفعاله القديمة فشهدوا به وبوحدانيته وأزليته وسرمديته ، رامتهم في العبودية لا حقيقة منهم في الربوبية ، فرضي الله تعالى به عنهم أمرا ورسما لا حقيقة ووصفا ، ثم خلق الأنبياء والأولياء ، وأبرز لهم أنوار جماله ذاته في مصابيح أرواحهم قبل الأجساد بألفي ألف عام ، فنظروا بنوره إلى جمال جلاله وتحيروا في كنه عظمته وكبرياء جبروته ، وعجزوا عن ثنائه ووصفه وشكره لنفسه.
خاطبهم الحق جل سلطانه بنعت تعريف نفسه لهم فقال : (أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى شَهِدْنا) [الأعراف : ١٧٢] ؛ فشهدوا بعد إقرارهم في محل الخطاب ، فشهادتهم رسم التعليم لا من حقيقة رسم القديم ، والفرق بين شهادة الملائكة ، وبني آدم من أهل العلم أن الملائكة شهدوا من حيث اليقين ، وأولوا العلم من حيث المشاهدة وأيضا شهادة الملائكة من رؤية الأفعال ، وشهادة العلماء من رؤية الصفات.
وأيضا شهادة الملائكة من رؤية العظمة وشهادة العلماء من رؤية الجمال ، لأجل ذلك يتولد من رؤيتهم الخوف ، ومن رؤية العلماء الرجاء.
وشهادة العلماء بالتفاوت فشهادة بعضهم من المقامات ، وشهادة بعضهم من الحالات ، وشهادة بعضهم من المكاشفات ، وشهادة بعضهم من المشاهدات ، وخواص أهل العلم يشهدون به له بنعت إدراك القدم ، وبروز نور التوحيد من جمال الوحدانية ، فشهادتهم مستغرقة في شهادة الحق ؛ لأنهم في محل المحو من رؤية القدم ، وسئل سهل بن عبد الله عن هذه الآية فقال : شهد بنفسه ومشاهدة ذاته ، واستشهد من استشهد من خلقه قبل خلقه لهم