فكان في ذلك تنبيها أنه عالم بما يكون قبل كونه لا يتجاوز أحد من حكمه.
وقال ابن عطاء في قوله : (شَهِدَ اللهُ) (١) : دلنا من نفسه على نفسه بأسماء ، وفيه بيان ربوبيته وصفاته فجعل لنا في كلامه وأسمائه شاهدا ودليلا ، وإنما فعل ذلك لأن الله وحد نفسه ولم يكن معه غيره ، وكان الشاهد عليه توحيده ولا يستحق أن يشهد عليه من حيث الحقيقة سواه ، إذ هو الشاهد فلا شاهد معه ، ثم دعا الخلق إلى شهادته فمن وافق شهادته شهادته فقد أصاب حظه من حقيقة التوحيد ، ومن حرم ضلّ.
وقال ابن عطاء : إن الله شهد لنفسه بالفردانية والصمدية والأبدية ، ثم خلق الخلق فشغلهم بعبادة هذه الكلمة فلا يطيقون حقيقة عبادتها ؛ لأن شهادته لنفسه حق وشهادتهم بذلك رسم وأنى يستوي الحق مع الرسم.
وقال أبو عبد الله القرشي في قوله : (شَهِدَ اللهُ) فقال : هو تعليم منه ولطف وإرشاد لعباده إلى أن شهدوا له بذلك ، ولو لم يعلمهم ذلك لم يرشدهم لهلكوا كما هلك إبليس عند المعارضة.
وقال بعضهم : شهادة الله لنفسه بما شهد به شهادة صدق ، ولا يقبل الشهادة إلا من الصادقين فظهر بهذا أنه لا يصلح التوحيد إلا للصادقين دون غيرهم من الخلق.
وقال أبو يزيد ـ رحمة الله عليه ـ يوما لأصحابه : بقيت البارحة إلى الصباح أجهد أن أقول : لا إله إلا الله ، فما قدرت عليه.
قيل : ولم؟ قال : ذكرت كلمة قلتها في صباي جاءتني وحشة تلك الكلمة فمنعتني عن ذلك ، وأعجب ممن يذكر الله وهو متصف بشيء من صفاته.
وقال الشبلي : ما قلت قط الله إلا واستغفرت من ذلك ؛ لأن الله يقول : (شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ) فمن يشهد بذلك له من الأكوان إلا عن أمر أو غفلة.
وقال ابن عطاء : أول ما خلقوا في حقائق البقاء مع الله فنوا عن كل شيء دون الله حتى
__________________
(١) قال الحرالي : فأعاد بالإضمار ليكون الشاهد والمشهود له (لا إله إلا هو) فأعاد بالهوية لمعنى الوحدانية في الشهادة ولم يقل : إلا الله ، لما يشعر به تكرار الاسم في محل الإضمار من التنزل العلي انتهى. والمعنى أنه سبحانه وتعالى فعل فعل الشاهد في إخباره عما يعلم حقيقته بلفظ الشهادة جريا على عادة الكبراء إذا رأوا تقاعس أتباعهم عما يأمرون به من المهمات في تعاغطيهم له بأنفسهم تنبيها على أن الخطب قد فدح والأمر قد تفاقم ، فيتساقط حينئذ إليه الأتباع ، ولو أن فيه الهلاك تساقط الذباب في أحلى الشراب. نظم الدرر للبقاعي (٢ / ٩).