وهو ما ذكر الله تعالى في كتابه (لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا) ؛ فالبر جزاؤهم منه ، ولكل طائفة منه بر من هؤلاء الذين ذكرنا أحوالهم في إنفاقهم على قصد إرادتهم ، وصدق نياتهم ، فبر التائبين هو محبة الله لهم بعد إيابهم منهم إليه ، وهذا إشارة الله تعالى قال : (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ) [البقرة : ٢٢٢].
وأما برّ المتورعين ؛ فهو استجابة الدعوة مقرونة بالتقوى ، وأما برّ الزاهدين ؛ فهو الحكمة من الله تعالى ، وهو إشارة النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «من زهد في الدنيا أربعين صباحا ، ظهرت ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه» (١).
فأمّا برّ الفقراء فهو السكينة من الله تعالى ظهرت في قلوبهم ، وأمّا برّ الأغنياء فهو درجة الكرامات ، وأمّا بر الصابرين فهو درجة الولايات ، وأمّا بر الشاكرين فهو زيادة القربة.
قال الله تعالى : (لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ) ، وأمّا بر المتوكلين وهو الكفاية في جميع المراد ، ووجدان لطائف محبة الله تعالى : (وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ) [الطلاق : ٣] ، وقال تعالى : (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ) ، وأمّا بر الراضين ؛ فهو رضوان الله تعالى ، قال الله تعالى : (رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ) [المجادلة : ٢٢].
وقال عليهالسلام : «الرضوان الأكبر هو تجلي الخاص ، ومن بلغ مقام الرضا ؛ فقد وجد رضوان الأكبر» (٢).
وأما برّ الصادقين ؛ فهو المحمدة في الدنيا والآخرة ، وحقيقة الطمأنينة والكرامة على رءوس الخلائق يوم القيامة ، قال الله تعالى : (لِيَجْزِيَ اللهُ الصَّادِقِينَ) [الأحزاب : ٢٤] هذا درجة أهل المعاملات في مجازات الله إياهم ببره وكرامته.
وأمّا برّ المراقبين ؛ فهو وجدان نور الفراسة وحلاوة الذكر ، وأمّا برّ الخائفين ؛ فهو ذوق المحبة ومعرفة إجلال الحق تعالى ، وأمّا برّ الراجين ؛ فهو صفاء اليقين ، ونور البسط والانبساط ، وأمّا برّ المحبين ؛ فهو المكاشفة وأنوار القربة والمشاهدة ، وأمّا برّ المشتاقين ؛ فهو الأنس بالله في جميع المعاني ، وأمّا برّ العاشقين ؛ فهو بهجة سناء الجمال في عين الأرواح ، وأمّا برّ الموقنين ؛ فهو مشاهدة الآلاء والنعماء والطمأنينة في رسوم الربوبية ، وأمّا برّ المستأنسين ؛ فهو حلاوة حسن القدم في قلوبهم ، وتفرد خواطرهم عن وجل خطرات الشياطين في أسواق
__________________
(١) رواه البيهقي في «شعب الإيمان» (٢ / ٢٧١) ، وابن أبي شيبة في «المصنف» (٧ / ٨٠) ، وابن المبارك في «الزهد» (١ / ٣٥٩).
(٢) رواه الحاكم في «المستدرك» (١٠ / ٢٥٥) بنحوه.