بصفاته كما وصف نفسه فقد حمده ؛ لأن الحمد حاء ، وميم ، ودال ؛ «فالحاء» من الوحدانية ، و «الميم» من الملك ، و «الدال» من الديمومية ، فمن عرفه بالوحدانية والديمومية والملك ؛ فقد عرفه.
وقال رجل بين يدي الجنيد : «الحمد لله» ، فقال له : أتممها كما قال الله ، قل : (رَبِّ الْعالَمِينَ) ، فقال له الرجل : ومن العالمون حتى يذكروا مع الحق؟! فقال : قله يا أخي ، فإن الحادث إذا قارن بالقديم لا يبقى له أثر.
قوله تعالى : (رَبِّ الْعالَمِينَ) ؛ لأنه أظهر نفسه عليهم حتى نالوا من بركاتهم ما هداهم إلى معرفته ، فربّاهم بها على قدر مذاقهم ، فربّى المريدين بشعشعة أنواره ، ولوائح أسراره ، وربّى المحبين بحلاوة مناجاته ، ولذة خطابه ، وربّى المشتاقين بحسن وصاله ، وربّى العاشقين بكشف جماله ، وربّى العارفين بمشاهدة بقائه ، ودوام أنسه ، وحقائق انبساطه ، وربّى الموحدين برؤية الوحدانية والأنانية في عين الجمع ، وجمع الجمع.
وقيل : (رَبِّ الْعالَمِينَ) أي : منطقهم بحمده.
وذكر عن ابن عطاء : (رَبِّ الْعالَمِينَ) أي : مربي أنفس العارفين بنور التوفيق ، وقلوب المؤمنين بالصبر والإخلاص ، وقلوب المريدين بالصدق والوفاء ، وقلوب العارفين بالفكرة والعبرة.
وقال محمد بن عليّ الترمذي : علم الله تواتر نعمه على عباده ، وغفلتهم عن القيام بشكره ، فأوجب عليهم في العبادة التي تكرر عليهم في اليوم والليلة : (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) ، فيكون ذلك قياما لشكره ، وألا يغفلوا عنه ، فأبوا ذلك.
وقال بعضهم : ذكر (بِسْمِ اللهِ) ، ثم قال : (الْحَمْدُ لِلَّهِ) : أعلم أن منه المبتدأ ، وإليه المنتهى.
وقال الحارث المحاسبي : إنّ الله بدأ بحمد نفسه ، فأوجب للمؤمنين تقديم (الْحَمْدُ لِلَّهِ) في أول كل كتاب ، وكل خطبة ، وكل قول حسن ، وهو أحسن ما ابتدأ به المبتدئ ، وافتتح مقالته.
وقال بعضهم : من قال : (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) ؛ فقد قام بحق العبودية ، وشكر النعمة.
وقال بعضهم : ظهر فضل آدم على الكلّ ، بقوله حين عطس : (الْحَمْدُ لِلَّهِ).
وقال الأستاذ : مربّي الأشباح بوجود النعم ، ومربّي الأرواح بشهود الكرم.