بالقرب منه ، والنظر إلى وجهه الكريم ، ويجازي أرباب المعاملات بالحسنات.
وقيل : مالك يوم الكشف والأشهاد ؛ ليجازي كل نفس بما تسعى.
وقال الأستاذ : مالك نفوس العابدين ، فصرّفها في خدمته ، ومالك قلوب العارفين ، فشرّفها ، ومالك نفوس القاصدين ، فيتّمها ، ومالك قلوب الواجدين ، فهيّمها ، ومالك أشباح من عبده ، فلاطفها بنواله وأفضاله ، ومالك أرواح من أحبّه ، فكاشفها بنعت جلاله ووصف جماله ، ومالك زمام أرباب التوحيد ، فصرّفهم حيث شاء كما شاء ، ووفّقهم حيث شاء كما شاء على ما يشاء كما شاء لم تكلهم إليهم لحظة ، ولا ملكهم من أمرهم سيئة ، ولا خطرة أفناهم له عنهم (١).
(إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (٥) اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ (٦))
قوله تعالى : (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) أي : بمعونتك نعبدك ، لا بحولنا وقوّتنا ، وإيّاك نستعين بتمام عبوديتك ، ودوام سترك علينا حتى نرى فضلك ، ولا ننظر إلى أعمالنا.
(إِيَّاكَ نَعْبُدُ) أي : إيّاك نعبد لا برؤية المعاملات ، وطلب المكافآت ، و (وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) أي : نستعينك بمزيد العنايات ، بنعت العصمة عن القطيعة.
وأيضا : إيّاك نعبد بالمراقبة ، وإيّاك نستعين بكشف المشاهدة.
وأيضا : إيّاك نعبد بعلم اليقين ، وإيّاك نستعين بحق اليقين.
وأيضا : وإيّاك نعبد بالغيبة ، وإيّاك نستعين بالرؤية.
وقيل : إيّاك نعبد بقطع العلائق والأغراض ، وإيّاك نستعين على ثبات هذا الحال بك ولا بنا.
وقيل : إيّاك نعبد بالعلم ، وإيّاك نستعين بالمعرفة.
وقيل : إيّاك نعبد بأمرك ، وإيّاك نستعين علينا بفضلك.
قال سهل : إيّاك نعبد بهدايتك ، وإيّاك نستعين بكلاءتك على عبادك.
قال الأنطاكي : إنما يعبد الله على أربع : على الرغبة ، والرهبة ، والحياء ، والمحبّة فأفضلها
__________________
(١) وفيه إشارة إلى أن الدنيا والآخرة ملك لله تعالى ليس لغيره في ذلك الملك يد إلا بطريق الخلافة والعارية ، فإن الدين المجازاة ، وهو جارية في الدّارين ، فهو تعالى مالك يوم الدنيا ، ويوم الآخرة ، ومالك المجازاة فيهما ، فظهر إن قيامة العارفين دائمة ؛ لكونهم مع الله تعالى في كل نفس من الأنفاس ، ومحاسبون أنفسهم في كل لحظة من لحظات ، فهم مملوكون لله تعالى ؛ لأنهم أحرار عمّا سواه تعالى ، وقائمون لربهم بالخدمة في كل حين.