المحبة التي تليها الحياء ، ثم الرهبة ، ثم الرغبة.
وقال الأستاذ : العبادة بستان القاصدين ، ومستروح المريدين ، ومرتع الأنس للمحبّين ، ومرتع البهجة للعارفين ، بها قوة أعينهم ، وفيها مسرّة قلوبهم ، ومنها راحة أبدانهم (١).
قوله تعالى : (اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) أي : اهدنا مرادك منا ؛ لأن الطريق المستقيم ما أراد الحق من الخلق ، من الصدق والإخلاص في عبوديته.
وأيضا أرشدنا إلى ما أنت عليه.
وأيضا اهدنا إنابتك حتى نتّصف بصفاتك.
وأيضا اهدنا إلى معرفتك ، حتى نستريح من معاملتنا بنسيم أنسك ، وحقائق حسنك.
وقيل : معنى اهدنا أي : مل بقلوبنا إليك ، وأقم بهمّنا بين يديك ، وكن دليلنا منك إليك حتى لا تقطع عمّا لك بك.
وقيل أي : أرشدنا طريق المعرفة ؛ حتى نستقيم معك بخدمتك.
وقيل أي : أرنا طريق الشكر فنفرح ، ونطرب بقربك.
وقيل : اهدنا بفناء أوصاف الطريق إلى أوصافك التي لم تزل ولا تزال.
وقيل : اهدنا هدى العيان بعد البيان ؛ لنستقيم لك على حسب إرادتك.
وقيل : اهدنا هدى من يكون منك مبدأه ؛ حتى يكون إليك منتهاه.
وقيل : اهدنا الصراط المستقيم على الصراط بالغيوبة ؛ لئلا يكون مربوطا بالصراط.
قال الجنيد : إن القوم لّما سألوا الهداية عن الحيرة التي وردت عليهم عن إشهاد صفاته الأزلية ، فسألوا الهداية إلى أوصاف العبودية ؛ كيلا يستغرقوا في رؤية صفات الأزلية.
قال بعضهم : إليك قصدنا ، فقوّمنا.
وقيل : اهدنا بالقوة والتمكين.
وقال الحسين أي : اهدنا طريق المحبّة لك ، والسعي إليك.
قال الشبلي : اهدنا صراط الأولياء والأصفياء.
وقال بعضهم : أرشدنا الذي لا اعوجاج فيه ، وهو الإسلام.
وقيل : أرشدنا في الدنيا إلى الطاعات ، وبلّغنا في الآخرة الدرجات.
__________________
(١) أراد بالعبادة المبنية على التوحيد ، فإن العبادة بلا توحيد عبادة المشركين ، فلا تعود إلى الله ، وإنما تعود إلى الآلهة الذين اتّخذوها معبودين من دون الله ، دلّ على هذا تقديم المعمول الدال على القصر ، فإذا كانت العبادة مخصوصة به تعالى ؛ كانت الاستعانة أيضا كذلك ، إذ لا يستعين المرء إلا بمعبوده.