انقطاع ، (رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ) (١) حيث وجدهم متحيرين عن إدراك كنه القدم بعد فنائهم فيه ، (وَرَضُوا عَنْهُ) بما وجدوا منه من لذّة مشاهدته ، وحلاوة خطابه ، وهذا الرضا انسداد أبواب كشوف القدم عليهم ، وإبقاؤهم فيما هم فيه ، ولو عرفوا قلّة حفظهم عن القدم لماتوا جميعا في الحيرة ، وكيف رضي عنه من عرفه ، وكيف سكن عنه ، وإن كان في مشاهدته عن إدراكه بنعت التوحيد ، ولولا فضله ورحمته لفنوا في قهر سلطان كبريائه ، ولم يبقوا بعد ، فبقاؤهم وتخليصهم من فنائهم فيه ، فبفوز عظيم وظفر كريم ليتمتعوا لوصاله أبدا ، (لِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) خصّ ملك الإيجاد والإبداع ، وزال عمن سواه ملكه.
سورة الأنعام
بسم الله الرّحمن الرّحيم
(الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ (١) هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضى أَجَلاً وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ (٢) وَهُوَ اللهُ فِي السَّماواتِ وَفِي الْأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ ما تَكْسِبُونَ (٣))
(الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) جعل حمده في الأزل طريقا للعباد إلى حمد جلاله ، وثناء جماله ، علم في القدم نفسه ، وأوجب الحمد قطعا قبل كون الكون مقابل عين الذات والصفات ، فلم ير بحمل حمده ، فحمل بنفسه حمد نفسه ، ورفع الحمد عن الحدث علما بأن الحدث يكون مثلا شيئا في أوائل حمده ؛ لأن حمده لا يكون إلا بمعرفة المحمود حقيقة بجميع ذاته وصفاته ، وذلك مستحيل ؛ لأن حقيقة ذاته وصفاته غير متناهية ، وكيف يدرك المتناهي صفات الذي هو غير متناه.
وأيضا : قطع الحمد عن غير نفسه ، وبيّن ألا يستحق للحمد الحقيقي إلا وجوده بقوله : (الْحَمْدُ لِلَّهِ) (٢) أي : لله لا لغير الله.
__________________
(١) رضاء الحق سبحانه : إثبات محلّ لهم ، وثناؤه عليهم ومدحه لهم ، وتخصيصهم بأفضاله وفنون نواله ، ورضاؤهم عن الحق سبحانه في الآخرة وصولهم إلى مناهم ؛ فهو الفوز العظيم ، والنجاة الكبرى [تفسير القشيري (٢ / ١٩٣)].
(٢) حقيقة الحمد الثناء على المحمود ، بذكر نعوته الجليلة وأفعاله الجميلة ، واللام هاهنا للجنس ، ومقتضاها الاستغراق ؛ فجميع المحامد لله سبحانه إمّا وصفا وإمّا خلقا ، فله الحمد لظهور سلطانه ، وله الشكر