وسئل الواسطي : الحكمة في إظهار الكون وقوله : (خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ)؟ قال : لا حاجة له إلى الكون ؛ لأن فقد الكون ظهوره ، وظهوره فقده عنده ، فإن قيل إظهارا للربوبية. قيل : ربوبيته كانت ظاهرة ، ولم تظهر ربوبيته لغيره.
قيل : لأنه لا طاقة لأحد في ظهور ربوبيته ، بل أظهر الكون ، وحجب الكون بالكون لئلا تظهر لأحد الربوبية فتطمس ؛ لأن الحق في الحكمة لا يحتمله إلا الحق.
وسئل بعضهم ما الحكمة في إظهار الكون؟ قال : ارتفاع العلّة ، فإذا ارتفعت العلّة ظهرت الحكمة بإظهار الكون ، إن الله سبحانه كان موصوفا بالعلم الأزلي ، وكان في علمه كون الكون كما هي ، فأظهر الكون بسابق علمه في ذاته ، وإرادته السابقة في الأزل بوجود الكون ، وكيف لا يظهر الكون والعلم والإرادة سابقان في الأزل بإيجاده ، فإذا بقاء الكون في العدم مستحيل.
وأيضا : ذاته تعالى معدن صفاته ، وصفاته معدن فعله ، فظهرت فوائد الذات في الصفات ، وظهرت فوائد الصفات في الفعل ، كانت قدرته المنزّهة حاملة الأفعال ، فوضعتها بالإرادة القديمة في أخصّ زمان ؛ لقوله : (يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) [التوبة : ٣٦].
وأيضا : كان في الأزل عاشقا مشتاقا إلى المشتاقين إليه ؛ ليظهر كنوز جلال الذات ، وجمال الصفات بنعت التعريف لأحبائه ؛ لقوله سبحانه : «كنت كنزا مخفيّا ، فأحببت أن أعرف» (١) ، فسبب إظهار الكون شرفه إلى جمال المشتاقين ومحبته السابقة للمحبين.
قال الأستاذ في قوله : (الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) : (الَّذِي) إشارة و (خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) عبارة ، فاشتغلت الأسرار بسماع الذي تحققها بوجوده ، ودوامها بشهوده ، واحتاجت القلوب عند سماع (الَّذِي) إلى سماع الصلة ؛ لأن (الَّذِي) من الأسماء الموصولة لكون القلوب تحت ستر الغيب ، فقال : (خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) ، وبانت لي إشارة : أن قوله تعالى : (الْحَمْدُ لِلَّهِ) ظاهر الألوهية لأهل العبودية ، وقوله : (الَّذِي) باطن المشاهدة لأهل المحبة ، لأن المحبة والمشاهدة من لطائف الأسرار ، فأشار إليها بلفظ الغيبة.
قوله تعالى : (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ) السموات جسد ، وقلب ذلك الجسد الأرض ، وأن الله سبحانه خصّ قلب السموات بإشراق جلاله فيه بقوله : (وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّها) [الزمر : ٦٩] ، ومن تلك الخاصية خلق صورة آدم عليهالسلام من قلب العالم فكان قلبيّا
__________________
(١) تقدم تخريجه.