وفي إشارة أهل الحقيقة أنّ مقام الخداع والمكر في العشق والمحبة يكون من شركهم في العشق ، حيث يطلبون المراد بنعت الاستراحة ، وهو سبحانه يجازيهم بظهور صفاته في نعوت أفعاله لهم ، وهذا معنى قوله تعالى : (وَلَلَبَسْنا عَلَيْهِمْ ما يَلْبِسُونَ) [الأنعام : ٩].
قال الواسطي : يلتبس على أهل ولايته بحضرته ، كما أنزل في بعض الكتب ، يعني ما يتحمل المتحملون من أجلي وطلب مرضاتي ، أتراني أنسى لهم ذلك؟! كيف وأنا الجواد الكريم ، أقبل على من تولى عني ، فكيف بمن أقبل عليّ؟
(وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (١٠) قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (١١) قُلْ لِمَنْ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قُلْ لِلَّهِ كَتَبَ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (١٢) وَلَهُ ما سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (١٣))
قوله تعالى : (وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ) هذا تسلية للنبي صلىاللهعليهوسلم ، أخبر عن الجهلة لمّا لم يعرفوا أهل مشاهدته ، وخواص حضرته ، ولم يروا آثار جلاله فيهم ، استهزأوا بهم بإعراضهم عنهم ، وإنكارهم عليهم.
قال القاسم : لمّا لم يعرفوا حقوق الرسل ، ولم يكرّموهم ، ولم ينظروا إليهم بعين الحق ؛ فعموا عن الأنوار والمشاهدات والرفع من المعاملات.
قوله تعالى : (قُلْ لِمَنْ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قُلْ لِلَّهِ) أي : لمن ما في السماوات والأرض إيجاد ، (قُلْ لِلَّهِ) أي : إفناء الأول : إشارة إلى الإرادة القديمة ، والثاني : إشارة إلى المحبة الباقية.
وأيضا : (قُلْ لِمَنْ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) بالعبودية ، (قُلْ لِلَّهِ) أي : في الربوبية.
قال يوسف بن الحسين : الأول عبارة ، والثاني عبادة.
وقيل : الأول هيبة ، والثاني توحيد.
قوله تعالى : (وَلَهُ ما سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهارِ) الإشارة في هذه الآية إلى قلوب المنقبضين بصولة العظمة ، وقلوب المنبسطين ببسط نور جمال المشاهدة ، سكنت قلوب أهل القبض في الليالي بنعت الإذابة في سرادق كبريائه ، والسكون في مقام التواضع عند بروز سطوات عزة ذاته ، حيث تخلصت عن ازدحام أهل الغفلة ، وسكنت قلوب أهل البسط برؤية أنوار جماله