في مناظر آياته في النهار ، ولطائف صنع صفاته ، حيث تخلصت من رؤية أعلام عظمته وكبريائه ، أي : له هذه القلوب العاشقة ، والأفئدة المتحيرة لا لغيره من الحدثان ، خصّها لنفسه ، والنظر إلى مشاهدته.
ومعنى قوله : (وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) يسمع أنينها في شوقه ، ويعلم ضمائرها المحزونة نداء جماله.
قال محمد بن علي الكناني : اختصّ الحق بقلوب العارفين لسكونها إليه ؛ فقال : (وَلَهُ ما سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهارِ) كيف لا يسكن إلى الحق ، ولدغات الحقيقة بقصده ، وهو موضع النظر؟.
(قُلْ أَغَيْرَ اللهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلا يُطْعَمُ قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (١٤) قُلْ إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (١٥) مَنْ يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ وَذلِكَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ (١٦) وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ فَلا كاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١٧) وَهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ (١٨))
قوله تعالى : (قُلْ أَغَيْرَ اللهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) أي : كيف أتخذ أحدا بالمحبة دونه ، وليس له صفة القدم التي أغارت قلوب أوليائه بحسن تجليها؟! وكيف أتخذ بالولاية محدثا لا يقدر على أن يمنع عني علّة الحجاب بيني وبينه ، حيث الكل حاجز في أمر مشيئته وملك جلاله؟!
ألا ترى إشارته تعالى إلى ذلك بقوله : (فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) أي : الكل ملكه ، فكيف ألجأ من ملكه إلى ملكه ، وعلّة الملك في المالك متلاش بقوله : (وَهُوَ يُطْعِمُ وَلا يُطْعَمُ).
قال الجوزجاني : أأبغي سواه ملجأ ، وقد سهّل إليّ السبيل إليه؟!
وقال غيره : أسواه أستكفي ، وهو الذي يكفيني الهم في الدارين؟!
وقوله تعالى : (قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ) أي : أمرني حين كنت جوهر فطرة الكون ، حيث لم يكن غيري في الحضرة أن أكون أول الخلق له في المحبة والعشق والمعشوق ، وأول الخلق له منقادا بنعت محبتي له ، راضيّا بربوبيته ، غير منازع لأمر معيشته.
قال بعضهم : أكون أول من انقاد للحق إذا ظهر.
وقال ابن عطاء : إن أكون من الخاضعين لما يبدو من مبادئ القدرة.
وقال جعفر عليهالسلام : من الراضين بموارد القضاء.