وباطنهم غشاوة العجب والجهل ، حتى لم يروا براهين الحق في وجوه الصديقين.
قال ابن عطاء : لأنه لم يجعل لهم سمع الفهم ، وإنما جعل لهم سمع الخطاب.
وقال الواسطي : منهم من يستمع إليك بنفسه ؛ فهو في ظلمات نفسه يتردد ، ومنهم من يستمع منك بنا ؛ فهو في أنوار العارف يتقلب.
قوله تعالى : (بَلْ بَدا لَهُمْ ما كانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ) القوم لم يعرفوا حقائق الكفر في الدنيا ، ولو عرفوه لكانوا موحدين ، فيظهر لهم يوم القيامة حقيقة الكفر ، ولا ينفع لهم ذلك لفوتهم السير في النكرات ، التي معرفتها توجب المعارف ، وذلك المقام في أماكن صدورهم ، وهم كانوا يخفونه بمتابعة صورة الكفر ، وشهوة العصيان بغير اختيارهم ؛ لقلة عرفانهم به ، ولا يكون قلب من العرش إلى الثرى إلا ويطرقه هواتف الغيب بإلهام الله الذي يعرف به طرق رضا الحق ، وصاحبه يعلم ذلك ، ويسمع ويخفيه في قلبه ؛ لأنه أدق من الشعرة ، وحركته أخفى من دبيب النمل ، ومع ذلك يعرفه من نفسه ، ولكن من غلبت شهوات نفسه عليه لا يتبع خطاب الله بالسرّ ، فأبدى الله لهم ما كانوا يخفونه ، تعبيرا لهم ، وحجة عليهم.
قيل : ظهر لهم من غيوب أسرارهم ما كان يخفيه عنهم قلة علمهم.
وقال أبو العباس الدينوري ـ رحمهالله : أبدى لهم الحق فساد دعاويهم التي كانوا يخفونها ، ويظهرون للناس خلافها من التقشف والتقوى في الدنيا ، فبدا لهم قبح بواطنهم عند صدور العارفين ، وأكابر الموحدين ، ويقولون : لسنا على شيء ، والصدق معكم ، وذلك عند غلبة هيبة وجوههم عليهم ، فإذا رجعوا إلى أوطانهم عادوا إلى الرزق والناموس من قلّة معرفتهم بربهم ، وقلّة معرفتهم بافتضاحهم عند مشايخ القوم ، قال تعالى : (وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ).
(وَلَوْ تَرى إِذْ وُقِفُوا عَلى رَبِّهِمْ قالَ أَلَيْسَ هذا بِالْحَقِّ قالُوا بَلى وَرَبِّنا قالَ فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (٣٠) قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقاءِ اللهِ حَتَّى إِذا جاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً قالُوا يا حَسْرَتَنا عَلى ما فَرَّطْنا فِيها وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزارَهُمْ عَلى ظُهُورِهِمْ أَلا ساءَ ما يَزِرُونَ (٣١) وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلاَّ لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلا تَعْقِلُونَ (٣٢) قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآياتِ اللهِ يَجْحَدُونَ (٣٣) وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلى ما كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتاهُمْ نَصْرُنا وَلا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِ اللهِ وَلَقَدْ جاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ (٣٤) وَإِنْ كانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْراضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقاً فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّماً فِي السَّماءِ فَتَأْتِيَهُمْ