بِآيَةٍ وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدى فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْجاهِلِينَ (٣٥))
قوله تعالى : (وَلَوْ تَرى إِذْ وُقِفُوا عَلى رَبِّهِمْ) أظهر لطفه وكرمه العميم على خلقه في هذه الآية حين وقف القوم على حضرة جلاله لسماع خطابه ؛ ليسهل عليهم دخول النار ، ولولا ذلك لكان عذابهم أضعافا.
والآية تعجب أي : ولو ترى إذ وقفوا في حضرة الجبروت ، وخوطبوا بخطاب الهيبة كيف يتنعمون بخطابه ، وإشراق أنوار سلطان كبريائه ، وإن كانوا في منازل الهيبة! والله هيبته مستلذة ، كما أن لطفه مسألة ، وجميع العذاب عند خطابه يكون نعمة.
وأنشدوا :
يكون أجاجا دونكم فإذا انتهى |
|
إليكم تلقّى طيبكم فيطيب |
وما ذاك إلّا حين أيقنت أنّه |
|
يمرّ بواد أنت منه قريب |
قال ابن عطاء : وقفوا وقوف قهر ، ولو وقفوا وقوف اشتياق لرأوا من أنوار كراماته ما تعجبوا منها.
(إِنَّما يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتى يَبْعَثُهُمُ اللهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ (٣٦) وَقالُوا لَوْ لا نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّ اللهَ قادِرٌ عَلى أَنْ يُنَزِّلَ آيَةً وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (٣٧) وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ (٣٨))
قوله تعالى : (إِنَّما يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ) السماع سماعان : سماع فهم ، وسماع عشق ومحبة ، من سمع سماع فهم لم يكن من أهل النطق في جريان حكم المعارف ؛ لأنه في مقام البداية ، ولم يكن له تصرف إلا تصرف ظاهر العلم ، ومن سمع سماع العشق بسمع المعرفة على حدّ الكمال يكون له لسان بيان المعرفة والتصرف في الإشارات والعبارات.
ألا ترى إلى النبي صلىاللهعليهوسلم وموسى عليهالسلام لما كان النبي صلىاللهعليهوسلم كاملا مستقيما قال : «بعثت بجوامع الكلم» (١) ، و «أنا أفصح العرب والعجم» (٢).
ولما كان موسى عليهالسلام في محل الإرادة أخبر الله سبحانه عنه بقوله بعد سؤاله بشرح الصدر الموجب فصاحة اللسان في المعرفة ، قال : (وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسانِي) ، بيّن أن على قدر السماع يكون الجواب ، ونفى السماع عن غير الأحياء بالمعرفة والمشاهدة.
__________________
(١) رواه البخاري (٣ / ١٠٨٧) ، ومسلم (١ / ٣٧١) ، وأحمد في «مسنده» (٢ / ٢٦٤).
(٢) ذكره العجلوني في «كشف الخفاء» (٢ / ٥٦٢).