قوله تعالى : (فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ) فيه تسلية لقلب نبيه صلىاللهعليهوسلم وأطماعه من الله سبحانه في إرجاع من سبق له في الأزل حسن عنايته إلى باب كرمه وعفوه وإن كان في صورة الامتحان ، أي : هو واسع الرحمة على الأكوان وأهلها ، يتحمل جفاء المدبرين ويواسيهم بما يصلح لأبدانهم من المعاش ، ويقبل على المقبلين ، فيربّي قلوبهم بلطائف خطابه وأنوار جماله.
وأيضا : رغّب الجمهور مع ما هم فيه إلى سواحل بحار لطفه ، وساحة جلال كرمه ؛ شوقا منه إلى وصول مصنوعاته من الأرواح والأشباح إليه ، وفيه مواساة قلب النبي صلىاللهعليهوسلم ، أي : فإن جفوك فقل : (رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ) بتخليصي وتخليص أوليائه عن جواركم إلى جواره الكريم.
قال سهل : قيل للنبي صلىاللهعليهوسلم : من أعرض عنك فرغّبه فيّ ، فإنه من رغب فينا ففيك رغب لا غير ، قال الله : (فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ) أطمعهم في الرحمة ، ولا تقطع قلبك عنهم.
قال الأستاذ : الإشارة فيه بيان تخصيصه الأولياء بالرحمة ، وتخصيص الأعداء بالطرد واللعنة ، فالصورة الإنسانية جامعة لهم ، والقسمة الأزلية فاصلة بينهم.
قوله تعالى : (قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ) بيّن سبحانه أن ألسنة الإسرار وإن كانت فصيحة ناطقة بحجج الحكمة المستفادة المتلقفة من فلق إلهام الغيب عند مسامرتها مع الحق في الشهود ، فخرس عند بوادي حجج العدم ، ومناقشته عند لطائف العتاب ، أي : له حجة كاملة قاطعة ألسنة الخواطر عند وضوح بيان إشاراته في الإسرار ، وهذا المعنى لا يعرفه إلا أصحاب مسامرة ومحاضرة ، الذي خرج من نعوت الإنسانية عند شهود الغيب.
قال النصر ابادي : الخلق كلهم منعتهم شدة الحاجة عن معاني رؤية الحجة ، ولو أسقط عنهم الحاجات لكشف لهم براهين الحجة.
قال الحسين : لكل حجة حكم وأمر ونهي ، وبيان وسرّ ، وعلم ومعرفة ومشيئة ، فاعرفوا الله في كل مقام يتعرف إليكم في كل ساعة.
وقال الجنيد : آثار مشيئة الهداية تنبيه عند أهل الهدى.
وقوله تعالى : (فَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ) أضاف علم البيان وهداية العرفان إلى مشيئته الأزلية ، يختص بعلم الإلهام والحجة والبرهان من يشاء من أهل الإيقان ، ومن لم يكن له استعداد رؤيته ومحبته وصلته لم يكن له حجج في أجوبته أهل الحقائق عند مجازاة الدقائق ونشر علوم الغيبة ، تظهر لأجنانه حجته ويبهم حجته ، ويبهم على قلوب المتكلفين إلهامه