قوله تعالى : (وَإِذا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا) إذا ادّعيتم مقام الولاية فاصدقوا بإلقاء نفوسكم إلى قناطر البلايا ؛ فإن الولاية مقرونة بالبلية.
وأيضا : إذا أخبرتم مني باللسان فكونوا حاضرين عندي بالجنان ، وإذا ذكرتموني بالظاهر فكونوا شاهدين مشاهدتي في الباطن ، وإذا شهدتم على معائب عبادي حين تعرفهم شأنها إياهم ، لا تفرغوا في الأمر بالمعروف ، ولا تخافوا عن لومة اللائمين بالنهي عن المنكر ، وكونوا عادلين فيه ، ولا تجاوزوا عن الحدود التي رسمتها في شرائعي.
قال أبو سليمان في هذه الآية : إذا تكلّمتم فتكلّموا بذكره.
وقال محمد بن حامد : العدل من الكلام ما لا يكون على صاحبه في ذلك بلغة ، عاجلا وآجلا.
وقوله تعالى : (وَبِعَهْدِ اللهِ أَوْفُوا) الوفاء بالعهد إقبال القلب إلى الله بلا إدبار بنعت المحبة والشوق حتى يصل إليه ، ولا يحتجب بشيء دونه ، ولا يختار عليه غيره.
قال الجوزجاني : العهود كثيرة ، وأحق العهود بالوفاء الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، تأمر نفسك بالمعروف ، فإن قبلت منك وإلا رضّها بالجوع والسهر وكثرة الذكر ومجالسة الصالحين ؛ لترغّب في المعروف غيرك ، وتنهي نفسك عن المنكر ، فإن قبلت وإلا فأدبها بالسياحة والتقطع والعزلة وقلّة الكلام وملازمته لتنتهي ، فإذا انتهيت فانه الناس عن المنكر.
لما شرع الله سبحانه شوارع الحقيقة ونصّب في سبيل معرفته الربوبية وصى عباده باللزوم فيها بنعت الصبر والرضا عند تحمل العناء والسياحة في بحر البلاء للوجدان والتزّين بلباس البقاء ، وكذا عقد الحقيقة عليهم ، وحجّ عليهم ؛ تمهيدا للعبودية ؛ وعرفانا للربوبية بقوله : (هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) صراطه المستقيم متابعة إلهامه وكلامه والشروع في عبوديته لغفرانه وطلب مشاهداته عند تقديس الخاطر عن غيره.
قال جعفر بن محمد : السلام طريق من القلب إلى الله بالإعراض عما سواه ، وأراد بالسبل هاهنا سبل الخطرات المذمومة والهوام النفسانية والوساوس الشيطانية ؛ فإنها مظلمة مفاوزها قاطعة لطريق الميريدين ، وسبيله سبيل الهدى وضوح شموس الصفات في جلال الآيات للعقول الصافية عن أكدار الخليفة.
قوله تعالى : (ثُمَّ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ تَماماً عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ) أي : أعطى موسى ما خصّ به في المناجاة ؛ حيث يزيد كلامه القديم الذي بيّن له طريق معارف القدم