ودرجة بعضهم الربوبية ، ودرجة بعضهم المعبودية ، وعلم العام وعلم الخاص ، وعلم العلم ، ومعرفة العلم والسر ، ومعرفة السرّ والخير ، ومعرفة الخير والعلم المجهول ، وما فوق ذلك إلا رسوم مندرسة وطرق منطمسة ؛ لأن هناك ظهور كنه القدم ، ولا يبقى مع القدم إلا القدم ، ابتلاهم بهذه المقامات لفناء علّة الحدث في القدم ، ومن خرج بنعوت الربوبية منها ويدعي بها يضرب ويصلب ويقتل ويحرق ، كما فعل بحسين بن منصور ـ قدّس الله روحه ـ ومن خرج منها بنعت العبودية وبقي بنعت الاستقامة كالنبي صلىاللهعليهوسلم ، حيث قال : «أنا العبد ، لا إله إلا الله» (١) عصم من فورة السكر ، وغفر له خطراتها في أثناء الطريق ، وهو قوله تعالى : (إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ).
قال بعضهم : مخلف الولي وليّ ، والصديق صديق ، ويرفع درجات البعض على البعض ، ودرجات البعض بالبعض ؛ لئلا تخلو الأرض من حجة الله وأمانه.
قال بعضهم : (وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ) (٢) : ليقتدي الأدنى بالأعلى ، ويتبع المريد درجة المراد ؛ ليصل إليه ، والله أعلم.
سورة الأعراف
بسم الله الرّحمن الرّحيم
(المص (١) كِتابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرى لِلْمُؤْمِنِينَ (٢) اتَّبِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ قَلِيلاً ما تَذَكَّرُونَ (٣) وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها فَجاءَها بَأْسُنا بَياتاً أَوْ هُمْ قائِلُونَ (٤) فَما كانَ دَعْواهُمْ إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا إِلاَّ أَنْ قالُوا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ (٥))
__________________
(١) سبق تخريجه.
(٢) قال ابن عجيبة : من شرف هذا الآدمي أن جعله خليفة عنه في ملكه ، يتصرف فيه بنيابته عنه ، ثم إن هذا التصرف يتفاوت على قدر الهمم ، فبقدر ما ترتفع الهمة عن هذا العالم يقع للروح التصرف في هذا الوجود ، فالعوام إنما يتصرفون فيما ملّكهم الله من الأملاك الحسية ، والخواص يتصرفون بالهمة في الوجود بأسره ، وخواص الخواص يتصرفون بالله ، أمرهم بأمر الله ، إن قالوا لشيء : كن يكون بإذن الله ، مع إرادة الله وسابق علمه وقدره ، وإلا فالهمم لا تخرق أسوار الأقدار.
والحاصل : إن من بقي مع الأكوان شهودا وافتقارا ، كان محبوسا معها ، ومن كان مع المكون كانت الأكوان معه ، يتصرف فيها بإذن الله ، خليفة عنه فيها ، وهم متفاوتون في ذلك [البحر المديد (٢ / ٢٢٩)].