وأيضا اصبروا في بلاء محبّتي ، وانظروا إلى مقام البلاء حتى تروني ، فإنّ التجلّي للصابرين في مكان صبرهم في.
وأيضا اصبروا لي ، فإن الصبر معي يوجب مراد الصابرين في نصرتهم على عدوّهم من النفوس والشياطين.
سئل محمد بن موسى الواسطيّ عن ماهية الصبر ، وحقيقة الذي قال الله تعالى : (إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) قال : هو سؤال التولّي قبل مخامرة المحنة ، وإذا صادقت المحبّة التولّي حملها بلا كلفة ، هذا صفة من كان الله معه في صبره.
قوله تعالى : (وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بَطَراً وَرِئاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَاللهُ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ) : حذرا وإباءة عن المشابهة بهؤلاء المرائين ، الذين يخرجون من دورهم ، وزواياهم الخبيثة بألوان زى السالوسيين ، ويتبخترون فيها من فرحهم بالجاه عند الظالمين ، الذين لا يعرفون الهر من البر ، وهم كالأنعام بل هم أضلّ ، ويتّبعون أهل الإرادة من صحبة الأولياء ؛ لتسعير أسواقهم وترويج نفاقهم ، حتى يجتمعوا عليهم ، ويجلّوهم في أعين الخلق ، أهلكهم الله في أودية قهره.
ثم وصفهم بأن الشياطين تزيّن قبائح أعمالهم في أعينهم ، بقوله سبحانه وتعالى : (وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ) : يريهم أعمالهم الفاسدة بصورة حسنة ، وهم بها يغترّون.
قال بعضهم : عظّم طاعاتهم في أعينهم ، وصغّر نعم الله عندهم.
وقال الأستاذ : الشيطان إذا زيّن للإنسان يوسوسه أمرا ، والنفس إذا استولت له شيئا عميت بصائر أرباب الغفلة عن شهود صواب الرشد ، فينخرّ الغافل معه في قياد وسواسه ، ثم يمحقه هو بهم التقدير وكوامن المكر من حيث لا يرتقب ، فلا الشيطان يفي له بما يعده ولا النفس شيئا مما يتمنّاه تجده ، وهو كما قال القائل :
وساءلتك الليالي فاغتررت بها |
|
وعند صفو الليالي يحدث الكدر |
وذكر الله سبحانه فعل ذلك الشيطان بعد تزيينه مخاييله لهم بقوله : (فَلَمَّا تَراءَتِ الْفِئَتانِ نَكَصَ عَلى عَقِبَيْهِ وَقالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرى ما لا تَرَوْنَ) : بيّن تعالى أن الشيطان زيّن للمريدين شيئا من الأمل ، ويدليه بخيال المنية في ورطة الغفلة ؛ ليغويه عن طريق قربة الله ، ويحجبه عن مشاهدته ، ويعده بالكرامات ووجدان الآيات ، فلما أيّده الله بجذبه ، ووارد وجده نكص العدو على عقبيه ، واحترز من احتراقه بنيران مواجيده ، ويبقى المريد بلا خيال في مشاهدة الجمال ، فتقول نفسه لشيطانه : أين أنت من الوسوسة؟