وآثار الجبروت ، وهذا إذا كانوا غير مصطفين في الأزل بالولاية السابقة في مشيئة الحكم ، بل هم مخذولون بحرمانهم الأزليّ عن كمال البلوغ إلى معالي درجات المعرفة مثل بلعام وبرصيصا وإبليس ، وحاشا من كرم الله العميم ، وأفضاله القديمة أنه سلب أولياءه أنوار الولاية ، الذين سبقت لهم اصطفائيته ، بحسن عنايته في أزله ، وكنايته إلى أبده.
قال جعفر : ما دام العبد يعرف نعم الله عنده ، فإنّ الله لا ينزع عنه نعمه ، حتى إذا جهل النعمة ، ولم يشكر الله عليها إذ ذاك جزي بأن تنزع منه.
(وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللهُ يَعْلَمُهُمْ وَما تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ (٦٠) وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٦١) وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ (٦٢) وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ما أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلكِنَّ اللهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٦٣) يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٦٤) يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ (٦٥))
قوله تعالى : (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ) : أعلم الله المؤمنين والعارفين الاستعداد لقتال أعداء الله ، وسمّى آلة القتال القوة ، وتلك القوة قوة الإلهية ، التي لا ينالها العارف من الله إلا بخضوعه بين يديه بنعت الفناء في جلاله ، فإذا كان كذلك يلبسه الله لباسا من الله بخضوعه بين يديه بنعت الفناء في جلاله ، فإذا كان كذلك يلبسه الله لباس عظمته ، ونور كبريائه وهيبته ، ويغريه إلى الدعاء عليهم ، ويجعله منبسطا ، حتى يقول في همّته وسرّه : إلهي خذهم ، فيأخذهم بلحظة ، ويسقطهم صرعى بين يديه بعونه وكرمه ، ويسلّي قلب وليّه ، ويريحه من شرور معارضيه ومنكريه ، وذلك سهم رمي بقوس الهمّة عن كنانة الغيرة ، كما رمى نبي الله صلىاللهعليهوسلم إلى منكريه ، حين قال : «شاهت الوجوه» (١).
وهذا الوحي من الله بقوله تعالى : (وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللهَ رَمى).
سمعت أن ذا النون كان في غزو ، وغلب المشركون على المؤمنين ، فقيل له : لو دعوت
__________________
(١) رواه مسلم (٣ / ١٤٠٢).