الله ، فنزله عن دابته وسجد ، فهزم الكفار في لحظة ، وأخذوا جميعا ، وأسروا وقتلوا.
وأيضا اقتبسوا من الله قوة عن قوى صفاته لنفوسكم ؛ حتى تقوّيكم في محاربتها وجهادها.
قال أبو علي الروذباري : «القوة» : هي الثقة بالله.
قيل : ظاهر الآية أنه الرمي بسهام القسي ، وفي الحقيقة رمي سهام الليالي في الغيب بالخضوع والاستكانة ، ورمي القلب إلى الحقّ ، معتمدا عليه ، راجعا عمّا سواه.
ثم بيّن أن المعول على الله ونصرته ، لا على السلاح والآلات ، بقوله تعالى : (هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ) أي : قوّاك بقوته الأزليّة ، ونصرك بنصرته الأبدية ، ووفق المؤمنين بإعانتك على عدوك.
قال الواسطيّ : قوّاك به ، وقوّى المؤمنين بك ، بل أيدك به ، وأيّد المؤمنين بنصرك ، ثم بيّن سبحانه أن نصرة المؤمنين لم تكن إلا بتأليفه بين قلوبهم ، وجمعها على محبّة الله ، ومحبّة رسوله بعد تباينها بتفرقة الهموم في أودية الامتحان ، بقوله : (وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ) أي : جمع أرواحها في بدء الأمر على موارد شريعة المشاهدة ، ومشارع الحقيقة ، فائتلفت بعضها بعضا في الحضرة القديمة عند مشاهدة الجليل جلّ جلاله ، فارتفعت من بينهم المناكرة ، وبقيت بينهم المصادقة والمحبّة والموافقة.
ثم تأكّد ذلك الائتلاف بأنه لا يكون من صنيع الخلق ، ويكلّف الاكتساب ، بل من إلقائه نور الإسلام في قلوبهم ، وجمعه إيّاهم على متابعة نبيّه بنظره ولطفه ، بقوله تعالى : (لَوْ أَنْفَقْتَ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ما أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلكِنَّ اللهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ) : ألّف بين الأشكال بالتجانس والاستئناس ؛ لأنّها من مصدر فطرته.
قوله : (خَلَقْتُ بِيَدَيَ) [ص : ٧٥] وألّف بين الأرواح بالتجانس والاستئناس من جهة الفطرة الخاصة من قوله : (وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي) [ص : ٧٢] ، وألّف بين القلوب بمعاينة الصفة لها بإشارة قوله صلىاللهعليهوسلم : «القلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن» (١).
وألّف بين العقول بتجانسها ، وأصل فطرتها التي قيل فيها : العقل أوّل ما صدر من البارئ ، وذلك قوله صلىاللهعليهوسلم : «أول ما خلق الله العقل» (٢).
انصرف من مصدر الأزليّة ، وألّف بين الأسرار بمطالعتها الأنوار ، واتّصال الأنوار بها
__________________
(١) تقدم تخريجه.
(٢) رواه الطبراني في الكبير (٨ / ٢٨٣).