من الغيب ، بقوله : (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ) [البقرة : ٣].
قيل : أي يشاهدون أنوار الغيب ، فموافقة الأشباح من حيث تجانس مقاماتها في الطاعات ، ورؤية الآيات ، والظفر بالكرامات ، وموافقة الأرواح بابتلائها من مجانسة مقاماتها في المشاهدات ، وسلوكها في مسالك المراقبات والمحاضرات ، وموافقة القلوب من تجانس سيرها في الصفات.
فمن شاهد القدرة يأتلف بمن شاهد بقاءه في القدرة ، وكذلك مقام رؤية جميع الصفات ؛ لأن سيرها في أنوار الصفات ، وموافقتها العقول من تجانس إدراك أنوار الأفعال ، وتحصيلها سنا الحكميات من أصول الآيات ، وتدبّرها وتذكّرها فيها بأنوار الهدايات ، وموافقة الأسرار من تجانس مشاربها من مشاهدة القدم ، ومطالعة الأبد ، وكلّ سرّ يردّ مشرب المعرفة ، أو المحبّة والشوق ، أو التوحيد ، أو الفناء ، أو السكر ، أو الصحو يستأنس بمن يكون شربه من مقامه من الأسرار ، فسبحان الذي ألّف بين كلّ جنس مع جنس ، رحمة منه وتلطّفا.
قال صلىاللهعليهوسلم في بيان ما شرحنا من ائتلاف هذه المؤتلفات ، واستئناس هذه المستأنسات في مقام القربات قال : «الأرواح جنود مجندة فما تعارف منها ائتلف» (١) ، فائتلاف المريدين في الإرادة ، وائتلاف المحبّين في المحبّة ، وائتلاف المشتاقين في الشوق ، وائتلاف العاشقين في العشق ، وائتلاف المستأنسين في الأنس ، وائتلاف العارفين في المعرفة ، وائتلاف الموحدين في التوحيد ، وائتلاف المكاشفين في الكشف ، وائتلاف المشاهدين في المشاهدة ، وائتلاف المخاطبين في سماع الخطاب ، وائتلاف الواجدين في الوجد ، وائتلاف المتفرّسين في الفراسة ، وائتلاف المتعبّدين في العبودية ، وائتلاف الواجدين في الوجد ، وائتلاف المتفرّسين في الفراسة ، وائتلاف المتعبّدين في العبودية ، وائتلاف الأولياء في الولاية ، وائتلاف الأنبياء في النبوّة ، وائتلاف المرسلين في الرسالة ، فكل جنس يستأنس بجنسه ، ويلحق بمن يليه في مقامه.
قال بعضهم : ألّف بين قلوب المرسلين بالرسالة ، وقلوب الأنبياء بالنبوة ، وقلوب الصدّيقين بالصدق ، وقلوب الشهداء بالمشاهدة ، وقلوب الصالحين بالخدمة ، وقلوب عامة المؤمنين بالهداية ، فجعل المرسلين رحمة على الأنبياء ، وجعل الأنبياء رحمة على الصدّيقين ، وجعل الصدّيقين رحمة على الشهداء ، وجعل الشهداء رحمة على الصالحين ، وجعل الصالحين رحمة على عامة عباده المؤمنين ، وجعل المؤمنين رحمة على الكافرين.
وقال أبو سعيد الخرّاز : ألّف بين الأشكال ، وغيّر الرسوم لمقام آخر ، فكلّ مربوط بمنحته ، ومستأنس في أهل نحلته.
__________________
(١) رواه البخاري (٣ / ١٢١٣) ، ومسلم (٤ / ٢٠٣١).