المعشوق ما نصه : إن الله سبحانه وتعالى ذاته القديمة موصوفة أزلا وأبدا بصفاته القديمة ، ومن جملة صفات الحق : (الأول ، العشق) وقد عشق ذاته بذاته ، فهو العشق والعاشق والمعشوق ، فصار العشق واحد ، صفة له قائمة به لا تغير فيها ؛ بل هو عاشق بنفسه لا يجوز له التغير الحدثاني وأعرف محبة الحق في أن يكون علمه لم يزل محبا بنفسه لنفسه ؛ كمال المحبة ، فالمحبة صفة الحق ، فلا تخطئ في الاسم ، فإن العشق والمحبة أمر! إنه لم يزل علما بنفسه وناظرا إلى نفسه بنفسه ، لا يوجد انقسام في أحديته ، ولما أراد ـ تعالى ـ أن يفتح كنز الذات بمفتاح الصفات ، تجلى على أرواح العارفين بجمال العشق ، وظهر لهم بصفات خاصة ، وأنهم حصلوا في كل صفة لباسا ، فمن العلم علما ، ومن القدرة قدرة ، ومن السمع سمعا ، ومن البصر بصرا ، ومن الكلام كلاما ، ومن الإرادة إرادة ، ومن الحياة حياة ، ومن الجمال جمالا ، ومن العظمة عظمة ، ومن البقاء بقاء ، ومن المحبة محبة ومن العشق عشقا ؛ كانت كل هذه (هو) فيهم ، وأثرت الصفات فيهم ، والصفة قائمة بالذات ، فأصبحت صفتهم قائمة من أثر ذلك ؛ لا يوجد من (الحلول) شيء في العالم : العبد عبد والربّ ربّ.
فأصل العشق قديم ، وعشاق الحق قدماء! عشقهم بالروح ، والعشق لألباب الأرض القديمة الذي التف حول شجرة روح العاشق ، والعشق سيف يقطع رأس الحدوث من العاشق ، وهو ذروة قاعدة الصفات ، فما وصلتها روح العاشق إلا واستسلمت للعشق ، وكل من صار معشوقا للحق ، وعاشقا للحق ، لا يستطيع النزول من تلك الذروة ، ويصير في العشق متحدا بالعشق ؛ ولما اتحد العاشق والمعشوق صار العاشق والمعشوق بلون واحد ، وعندئذ يصبح العاشق حاكما في إقليم الحق ، فعندما غلب عليه الحق ، أصبح قالب صورته جنانيّا ، ونفسه روحانية ، وروحه ربانية.
العشق كمال من كمال الحق ، فإذا اتصل بالعاشق ، تحول من الحدوث المحض إلى الجلال الإلهي ، ويصبح باطنه ربانيا ويطلب معدن الأصل ، ولا يتغير من حوادث الدهور وصروف الزمان وتأثير المكان ؛ فإذا بلغ عين الكمال ، تزول ستائر الربوبية! والعاشق الرباني يذهب بالمعدن الأصلي ، وليس في العشق مقصود ، فالعشق مع المقصود ليس بموجود :
العشق والمقصود كفر |
|
والعاشق برئ من روحه |
وليس للصورة مكان في العالم العشق ؛ لأن العقل والنفس ليسا معا في طريق