عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (١٨٤))
هذا نداء لأصحاب القلوب ، وخطاب مع طلاب هلال المشاهدة في أقطار سماوات الغيوب ، أي : يا أهل اليقين فرض عليكم الإمساك عن الكون أصلا ؛ لأنكم في طلب المشاهدة ، فواجب أن تصوموا عن مألوفات الطبيعة في مقام العبودية ، كما كتب على المرسلين والنبيين والعارفين والمحبين من قبلكم لكي تتخلصوا من رجس البشرية ، وتصلوا مقام الأمن والقربة.
(أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ) وهي أيام زمان الدنيا ، يغري بهذا الخطاب أولياءه بترك المطايبة والمناكحة والمباشرة والمؤانسة والملاعبة ، ولذائذ العيش في أكل ألوان الشهوات ، وشرب مياه الباردات ، ولبس الناعمات ، أي : اصبروا يا أوليائي عن شهوات الدنيا ، فإنها أيام ستنقرض عن قريب حتى تفطروا بلقائي القديم ، وتعيشوا في جواري الكريم.
(فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) أي : من يكون من المنقطعين مريضا من فرقتي أو في سفر الوحشة عن وصلتي ، فعليه تدارك أيام القدرة بعد إدراكه مقام القبة والمشاهدة.
(وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ) أي : وعلى الذين يطيقونه الإمساك عن الكون بنعت الزهد عن الدنيا أيام حياته ، ولم يعمل عمل أهل الطاعة لقلّة توفيقه وهدايته فدية ، وهو خدمة أولياء الله ببذل النفس والمال من الذين تركوا الدنيا لأهلها ، وذلك قوله تعالى : (طَعامُ مِسْكِينٍ) والمساكين الذين صادقوا التلوين ، ولم يبلغوا مقام التمكين.
(فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ) أي : فمن تعدى لعجزه عن حقيقة المعاملة زيادة على الواجب الذي عليه من الموجود بعد مقاساته في المفقود ؛ فهو خير له من طلب الرخص.
(وَأَنْ تَصُومُوا) أي : أن تمسكوا عما يشتغل به أهل الدنيا ، (خَيْرٌ لَكُمْ) في ثبات حالكم ، وقوة إرادتكم.
(إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) أي : إن كنتم تعرفون ما للصائمين من الفرح فرحة في الدنيا بالمكاشفة ، وفرحة في الآخرة بصرف المشاهدة.
(شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّناتٍ مِنَ الْهُدى وَالْفُرْقانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كانَ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ