عَلى ما هَداكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (١٨٥) وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (١٨٦) أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ هُنَّ لِباسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِباسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتابَ عَلَيْكُمْ وَعَفا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا ما كَتَبَ اللهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللهِ فَلا تَقْرَبُوها كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ آياتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (١٨٧) وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ وَتُدْلُوا بِها إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقاً مِنْ أَمْوالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (١٨٨))
شهر فيه احتراق أكباد أهل العيان من شوق مشاهدة الرحمن ، لذلك أنزل فيه القرآن لرقة قلوب المخاطبين من نيران المجاهدات ، وكشف أنوار المشاهدة.
قيل : أنزل لفضله وتخصيصه من بين الشهور ، وافتراض الصوم فيه ، واستنان القيام في لياليه بالقرآن.
(فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ) أي : من حضر فيه مقام الطلب ؛ فليفطم نفسه عن رضاع الطبيعة لمقام الطرب ، وأيضا (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ) عن الشراب والطعام ، ومن شهدني ؛ فليصمه عن المخالفات والآثام.
قال الواسطي : (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ) ومن شهدني وشاهد أمري ؛ فليصم أوقاته كلها عن المخالفات ، ومن شهد الشهر على رؤية التعظيم ؛ فليمسك فيه عن اللغو واللهو ، ومن شهد على رؤية فعله وصومه ؛ فليس لله حاجة في ترك طعامه وشرابه ، وهو كما أخبر النبي صلىاللهعليهوسلم : «رب صائم حظه من الصيام الجوع» (١).
(وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ) أي : إذا سألك أهل محبتي وتوحيدي عن دنوي منهم ؛ فإني قريب منهم إليهم ، وأنا مباشر أسرار حبهم فؤادهم بصفة الخاص ، فانجلي بنفسي من نفوسهم لنفوسهم ؛ لأن ظهوري للعموم ، وإن لم يروني إلا أهل الخصوص ، وفي ضمن الآية إشارة إلى تنزيه الحق عن البينية والأبنية ؛ لأنهم أشاروا إلى قرب البين ، وبعد الأين ؛ فقال تعالى : (فَإِنِّي قَرِيبٌ) من عبادي بلا أين ، وبلا بين.
__________________
(١) رواه أحمد في مسنده (٢ / ٣٧٣) ، وابن ماجه (١ / ٥٣٩) ، والنسائي في «السنن الكبرى» (٢ / ٢٣٩).