مَعَهُ مَتى نَصْرُ اللهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللهِ قَرِيبٌ (٢١٤) يَسْئَلُونَكَ ما ذا يُنْفِقُونَ قُلْ ما أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللهَ بِهِ عَلِيمٌ (٢١٥))
قوله تعالى : (فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْكُمُ الْبَيِّناتُ) الإشارة فيه أن من عرف الحق بنعت الألوهية ، ورجع من قربه إلى وطنات نفسه ، فقد أشرك وعقوبته أن عجبه الحق عن وصله ومشاهدته ، ولم يؤمنه غيرة الحق على أسراره ما عاش وإن كان في العبودية طاش.
(هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمامِ) (١) أي : هل ينظرون أهل الغيرة في المحبة إلا إقبال جمال الحق إليهم في لباس المجهول ، فإدخالهم في قباب العصمة ، وغيبتهم في جلال العصمة ، حين أسبل الحق عليهم نقاب الكبرياء حتى يتجلّى بمشاهدة الخاص ؛ لأنهم أهل الغيرة ، فسترهم بغيم النكرة ، وشوّق لهم بنور الصمدية وجلال الأبدية ، (وَقُضِيَ الْأَمْرُ) أي : قضي ما سبق لهم من العناية الخاصة ، والمنن الأزلية.
وقال جعفر : هل ينظرون إلا إقبال الله عليهم بالعصمة والتوفيق ، فيكشف عنهم أستار الغفلة ، فيشهدون برّه ولطفه ؛ بل يشاهدون البار اللطيف ، (وَقُضِيَ الْأَمْرُ).
قيل : وصلوا إلى ما سبق لهم في الأزل من إحدى المنزلتين.
وقال جعفر : (وَقُضِيَ الْأَمْرُ) وكشف عن حقيقة الأمر ومغيبه.
(سَلْ بَنِي إِسْرائِيلَ كَمْ آتَيْناهُمْ مِنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ) وبخ الله تعالى قوما من المستدرجين الذين لم يشكروا الله تعالى فيما نالوا منه من خصائص المقامات والكرامات ورؤية حقائق الآيات بأداء الصدق والإنصاف مع أهل القصة من الأنبياء والأولياء من استشارهم رئاسة الخلق على مرافقة الحق ، وإنكارهم على أوليائه ، وتغيرهم أمانة الله تعالى التي خصّ الله بها خواص عباده ، باعوا اليقين بالوهم ، والعزيمة بالوهن ، فمسخ الله قلوبهم طمسا بذهاب نورها حتى بقوا في ظلمة الحجاب وهو أشد العذاب ، كما قال الله تعالى : (وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُ فَإِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ) وخوّف بهذا التوبيخ أهل معرفته ومحبته لئلا يلتقوا إلى الدنيا وأهلها ، ويشكروا نعمة عرفان قربه ببذل الأرواح في وجدان نور الربوبية ، وتحول الأشباح بشرط الخشوع في حق العبودية.
(زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَياةُ الدُّنْيا) أي : زيّن للذين اغتروا بعاجل الكرامات ،
__________________
(١) قيل : هو غمام أبيض رقيق مثل الضبابة ، ولم يكن إلا لبني إسرائيل في تيههم. البحر المديد (٤ / ٢٨٨).