والمعنى : كونوا أيها المؤمنون ـ ثابتين عند لقاء الأعداء ، ومكثرين من ذكر الله وطاعته ، وصابرين في كل المواطن .. واحذروا أن تتشبهوا بأولئك المشركين الذين خرجوا من مكة (بَطَراً وَرِئاءَ النَّاسِ) أى خرجوا غرورا وفخرا وتظاهرا بالشجاعة والحمية ... حتى ينالوا الثناء منهم ..
وقوله : (وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ) معطوف على (بَطَراً) والسبيل : الطريق الذي فيه سهولة. والمراد بسبيل الله : دينه. لأنه يوصل الناس إلى الخير والفلاح.
أى : خرجوا بطريق بما أوتوا من نعم ومرائين بها الناس ، وصادين إياهم عن دين الإسلام الذي باتباعه يصلون إلى السعادة والنجاح.
وعبر عن بطرهم وريائهم بصيغة الاسم الدال على التمكن والثبوت ، وعن صدهم بصيغة الفعل الدال على التجدد والحدوث ، للإشعار بأنهم كانوا مجبولين على البطر والمفاخرة والرياء ، وأن هذه الصفات دأبهم وديدنهم ، أما الصد عن سبيل الله فلم يحصل منهم إلا بعد أن دعا الرسول صلىاللهعليهوسلم الناس إلى الإسلام.
وقوله : (وَاللهُ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ) تذييل قصد به التحذير من الاتصاف بهذه الصفات الذميمة ، لأنه ـ سبحانه ـ محيط بكل صغيرة وكبيرة وسيجازى الذين أساءوا بما عملوا ، ويجازى الذين أحسنوا بالحسنى. فعلى المؤمنين أن يخلصوا لله ـ تعالى ـ أعمالهم.
وقوله : (وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ وَقالَ لا غالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جارٌ لَكُمْ ..) تذكير للمؤمنين بما خدع به الشيطان الكافرين من وعود كاذبة ، وأمانى باطلة.
والمراد بهذا التذكير : حضهم على المداومة على طاعة الله وشكره ، حيث إنه ـ سبحانه ـ لم يجعلهم كأولئك الذين استحوذ عليهم الشيطان.
والمعنى : احذروا ـ أيها المؤمنون ـ أن تتشبهوا بأولئك الذين خرجوا من ديارهم بطرا ومفاخرة .. واذكروا وقت أن (زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ) في معاداتكم ، بأن وسوس لهم بأنهم على الحق وأنتم على الباطل ، وحسن لهم ما جبلوا عليه من غرور ومراءاة ، وأوهمهم بأن النصر سيكون لهم عند لقائكم ، بأن قال لهم (لا غالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جارٌ لَكُمْ) أى : لن يغلبكم أحد من الناس ، لا محمد صلىاللهعليهوسلم وأصحابه ، ولا غيرهم من قبائل العرب ، وإنى مجير ومعين وناصر لكم ، إذ المراد بالجار هنا : الذي يجير غيره. أى : يؤمنه مما يخاف ويخشى.
قال الآلوسى : أى : ألقى في روعهم وخيل لهم أنهم لا يغلبون لكثرة عددهم ، وعددهم ، وأوهمهم أن اتباعهم إياه فيما يظنون أنها قربات ـ تجعله مجيرا لهم ، وحافظا إياهم عن السوء