يجعلوا غايتهم في قتالهم إحقاق الحق وإبطال الباطل (حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ ...).
وأن يؤثروا السلم على الحرب متى وجد السبيل إليه ، فإن السلم هو الأصل أما الحرب فهي أمر لا يلجأ إليه إلا عند الضرورة التي تقتضيها .. أما في حالة سلمهم : فقد أمرتهم السورة الكريمة بالتآخى والتناصر والتواد والتراحم والتصالح .. ونبذ التنازع والتخاصم والاختلاف والبطر.
كما أمرتهم بتقوى الله وبإيثار ما عنده من ثواب وأجر على الأموال والأولاد.
قال ـ تعالى ـ : (وَاعْلَمُوا أَنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ).
وهناك موضوعات أخرى تعرضت لها السورة :
كحديثها عن الغنائم ، وعن الأسرى ، وعن المعاهدات ، وعن أحداث غزوة بدر ، وعن المشاعر التي تحركت في نفوس بعض المشتركين فيها قبل أن تبدأ المعركة وخلالها وبعدها.
وقد ساقت السورة الكريمة كل ذلك بأسلوب يهدى القلوب ، ويشرح الصدور ، ويرشد الناس إلى مواطن عزهم وسعادتهم.
هذا ، ونرى من المناسب ـ أخى القارئ ـ أن نختم هذا العرض المجمل لسورة بدر ـ كما سماها ابن عباس ـ بتلخيص لقصة هذه الغزوة لنتنسم الجو الذي نزلت فيه هذه السورة ، ولندرك مرامي النصوص فيها .. لأننا نعتقد أن ما يعين على فهم الآيات القرآنية فهما قويما مستنيرا ، أن يكون القارئ أو المفسر لها ملما بأسباب نزولها وبالجو التاريخى الذي نزلت فيه ، وبالأحداث التي لا بست نزولها .. يجانب إلمامه بمدلولاتها اللغوية والبيانية ..
قال الإمام ابن هشام عند حديثه عن «غزوة بدر الكبرى» (١).
قال ابن إسحاق : لما سمع رسول الله صلىاللهعليهوسلم بأبى سفيان مقبلا من الشام في عير لقريش عظيمة .. ندب المسلمين إليها وقال : «هذه عير قريش فيها أموالهم فاخرجوا إليها لعل الله ينفلكموها» فانتدب الناس فخف بعضهم وثقل بعضهم وذلك أنهم لم يظنوا أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم يلقى حربا.
وكان أبو سفيان ـ حين دنا من الحجاز ـ يتجسس الأخبار ، ويسأل من لقى من الركبان : تخوفا على أمر الناس ـ أى : على أموالهم التي معه في القافلة حتى أصاب خبرا من بعض الركبان أن محمدا قد استنفر أصحابه لك ولعيرك فحذر عند ذلك. فاستأجر ضمضم بن
__________________
(١) السيرة النبوية لابن هشام ومعها شرحها للإمام السهيلي ج ٥ ص ٩١ طبعة دار الكتب الحديثة بالقاهرة.