وقال محمد بن إسحاق : لما نزلت (بَراءَةٌ) على رسول الله صلىاللهعليهوسلم وقد كان بعث أبا بكر الصديق ـ رضى الله عنه ـ ليقيم للناس الحج ، قيل له : يا رسول الله ، لو بعثت بها إلى أبى بكر؟ فقال : «لا يؤدى عنى إلا رجل من أهل بيتي».
ثم دعا على بن أبى طالب فقال له : اخرج بهذه القصة من صدر براءة ، وأذن في الناس يوم النحر إذا اجتمعوا بمنى : أنه لا يدخل الجنة كافر ، ولا يحج بعد العام مشرك ، ولا يطوف بالبيت عريان ، ومن كان له عند رسول الله صلىاللهعليهوسلم عهد فهو له إلى مدته.
فخرج على بن أبى طالب على ناقة رسول الله صلىاللهعليهوسلم «العضباء» حتى أدرك أبا بكر بالطريق ، فلما رآه أبو بكر قال : أمير أم مأمور؟ فقال : بل مأمور. ثم مضيا ، فأقام أبو بكر للناس الحج ، والعرب إذ ذاك في تلك السنة على منازلهم من الحج التي كانوا عليها في الجاهلية.
حتى إذا كان يوم النحر قام على بن أبى طالب فأذن في الناس بالذي أمره به رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال : أيها الناس ، إنه لا يدخل الجنة كافر ، ولا يحج بعد العام مشرك ، ولا يطوف بالبيت عريان ، ومن كان له عهد عند رسول الله صلىاللهعليهوسلم فهو إلى مدته ، وأجل الناس أربعة أشهر من يوم أذن فيهم ، ليرجع كل قوم إلى مأمنهم وبلادهم ، ثم لا عهد لمشرك ولا ذمة ، إلا أحد كان له عند رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، عهد إلى مدة ، فهو له إلى مدته. فلم يحج بعد العام مشرك ، ولم يطف بالبيت عريان ، ثم قدما على رسول الله صلىاللهعليهوسلم (١).
وقال الفخر الرازي : روى أن النبي صلىاللهعليهوسلم لما خرج إلى غزوة تبوك وتخلف المنافقون وأرجفوا الأراجيف ، جعل المشركون ينقضون العهد ، فنبذ رسول الله صلىاللهعليهوسلم العهد إليهم (٢).
هذه بعض الآثار التي ذكرها المفسرون في هذا المقام.
وقوله ـ تعالى ـ : (بَراءَةٌ) مصدر برئ «كتعب» ، وأصل البراءة : التباعد عن الشيء والتخلص منه. تقول : برئت من هذا الشيء أبرأ براءة فأنا منه برىء ، إذا أزلته عن نفسك ، وقطعت الصلة بينك وبينه. ومنه قولهم : برئت من الدين أى تخلصت منه.
__________________
(١) السيرة النبوية لابن هشام ج ٤ ص ١٩٠ طبعة مصطفى الحلبي سنة ١٣٥٥ ه سنة ١٩٣٦ م تحقيق مصطفى السقا.
(٢) تفسير الفخر الرازي ج ١٥ ص ٢١٧ طبعة عبد الرحمن محمد.