وقد رجح ابن جرير ـ بعد أن بسط الأقوال في ذلك ـ أن المراد بيوم الحج الأكبر : يوم النحر فقال. وأولى الأقوال في ذلك بالصحة عندنا : قول من قال : يوم الحج الأكبر ، يوم النحر ، لتظاهر الأخبار عن جماعة من الصحابة أن عليا نادى بما أرسله به رسول الله صلىاللهعليهوسلم إلى المشركين يوم النحر ، هذا مع الأخبار التي ذكرناها عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أنه قال يوم النحر : «أتدرون أى يوم هذا؟ هذا يوم الحج الأكبر» (١).
وقال بعض العلماء : قال ابن القيم : والصواب أن المراد بيوم الحج الأكبر يوم النحر ، لأنه ثبت في الصحيحين أن أبا بكر وعليا أذنا بذلك يوم النحر لا يوم عرفة. وفي سنن أبى داود بأصح إسناد أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «يوم الحج الأكبر يوم النحر» ، وكذا قال أبو هريرة وجماعة من الصحابة.
ويوم عرفة مقدمة ليوم النحر بين يديه ، فإن فيه يكون الوقوف والتضرع ثم يوم النحر تكون الوفادة والزيارة .. ويكون فيه ذبح القرابين ، وحلق الرءوس ، ورمى الجمار ، ومعظم أفعال الحج (٢).
وقد ساق ابن كثير جملة من الأحاديث التي حكت ما كان ينادى به على بن أبى طالب والناس يوم الحج الأكبر ومن ذلك ما أخرجه الإمام أحمد عن محرز بن أبى هريرة عن أبيه قال : كنت مع على بن أبى طالب حين بعثه النبي صلىاللهعليهوسلم ينادى ، فكان إذا صحل ناديت ـ أى كان إذا بح صوته وتعب من كثرة النداء ناديت ـ قلت : بأى شيء كنتم تنادون؟ قال : بأربع : لا يطوف بالبيت عريان ، ولا يدخل الجنة إلا نفس مؤمنة ، ولا يحج بعد عامنا هذا مشرك ، ومن كان له عهد عند رسول الله صلىاللهعليهوسلم فعهده إلى مدته (٣).
وسمى يوم النحر بالحج الأكبر ، لأن العمرة كانت تسمى بالحج الأصغر ولأن ما يفعل فيه معظم أفعال الحج ـ كما قال ابن القيم.
هذا ، وللعلماء أقوال في إعراب لفظ (وَرَسُولِهِ) من قوله ـ تعالى ـ (أَنَّ اللهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ). وقد لخص الشيخ الجمل هذه الأقوال تلخيصا حسنا فقال : قوله (وَرَسُولِهِ) بالرفع باتفاق السبعة وقرئ شاذا بالجر على المجاورة. أو على أن الواو للقسم وقرئ شاذا أيضا بالنصب على أنه مفعول معه ، أو معطوف على لفظ الجلالة ، وفي الرفع ثلاثة
__________________
(١) تفسير ابن جرير ج ١٠ من ص ٦٧ إلى ص ٧٦.
(٢) تفسير القاسمى ـ بتصرف يسير ـ ج ٨ ص ٢٠٦٨ ، طبعة عيسى الحلبي الطبعة الأولى سنة ١٣٧٧ ه سنة ١٩٥٨.
(٣) تفسير ابن كثير ج ٢ ص ٣٣٣.