أى : سيصيب الذين أصروا على كفرهم ونفاقهم من هؤلاء الأعراب ، عذاب أليم في الدنيا والآخرة ، أما الذين رجعوا عن كفرهم ونفاقهم منهم ، وتابوا إلى الله ـ تعالى ـ توبة صادقة ، فهؤلاء عسى الله أن يعفو عنهم وكان الله عفوا غفورا.
ثم ذكر ـ سبحانه ـ الأعذار الشرعية المقبولة عنده وعند رسوله ، والتي تجعل صاحبها لا حرج عليه إذا ما قعد معها عن القتال ، فقال ، تعالى :
(لَيْسَ عَلَى الضُّعَفاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضى وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ ما يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٩١) وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذا ما أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أَجِدُ ما أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَناً أَلاَّ يَجِدُوا ما يُنْفِقُونَ)(٩٢)
ذكر المفسرون في سبب نزول هاتين الآيتين روايات ، منها ما جاء عن زيد بن ثابت أنه قال كنت أكتب لرسول الله صلىاللهعليهوسلم فكنت أكتب «براءة» ، فإنى لواضع القلم على أذنى ، إذ أمرنا بالقتال ، فجعل رسول الله صلىاللهعليهوسلم ينظر ما ينزل عليه ، إذ جاء أعمى فقال : كيف بي يا رسول الله وأنا أعمى؟ فنزلت (لَيْسَ عَلَى الضُّعَفاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضى ...) الآية.
وروى العوفى عن ابن عباس أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أمر الناس أن ينبعثوا غازين معه. فجاءته عصابة من أصحابه فيهم عبد الله بن مقرن المزني ، فقالوا : يا رسول الله ، احملنا. فقال لهم : «والله لا أجد ما أحملكم عليه» ، فتولوا وهم يبكون وعز عليهم أن يجلسوا عن الجهاد ، ولا يجدون نفقة ولا محملا ، فلما رأى الله حرصهم على محبته ومحبة رسوله ، أنزل عذرهم في كتابه فقال : لَيْسَ عَلَى الضُّعَفاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضى) ... الآية.
وقال محمد بن إسحاق ـ في سياق غزوة تبوك ـ : ثم إن رجالا من المسلمين أتوا رسول الله صلىاللهعليهوسلم وهم البكاءون وهم سبعة نفر من الأنصار وغيرهم ... فاستحملوا رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ، وكانوا أهل حاجة فقال : «لا أجد ما أحملكم عليه تولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزنا ألا يجدوا ما ينفقون.»