هذا ، وقد ذكر المفسرون هنا روايات متعددة في سبب نزول هذه الآية ولعل أرجح هذه الروايات ما رواه ابن جرير من أن هذه الآية نزلت في أبى لبابة وأصحابه ، وكانوا تخلفوا عن النبي صلىاللهعليهوسلم في غزوة تبوك ، فلما قفل رسول الله صلىاللهعليهوسلم من غزوته ، وكان قريبا من المدينة ندموا على تخلفهم عن رسول الله وقالوا : نكون في الظلال والأطعمة والنساء ونبي الله في الجهاد واللأواء. والله لنوثقن أنفسنا بالسوارى ، ثم لا نطلقها حتى يكون نبي الله هو الذي يطلقنا.
وأوثقوا أنفسهم. وبقي ثلاثة لم يوثقوا أنفسهم بالسوارى فقدم رسول الله صلىاللهعليهوسلم من غزوته فمر بالمسجد فأبصرهم فسأل عنهم ، فقيل له : إنه أبو لبابة وأصحابه تخلفوا عنك يا نبي الله ، فصنعوا بأنفسهم ما ترى ، وعاهدوا الله ألا يطلقوا أنفسهم حتى تكون أنت الذي تطلقهم.
فقال صلىاللهعليهوسلم : «لا أطلقهم حتى أؤمر بإطلاقهم ، ولا أعذرهم حتى يعذرهم الله ، قد رغبوا بأنفسهم عن غزوة المسلمين» ، فأنزل الله تعالى : (وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلاً صالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً ...) الآية ، فأطلقهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم وعذرهم (١).
ثم أمر الله تعالى ـ نبيه صلىاللهعليهوسلم أن يأخذ الصدقات من هؤلاء الذين اعترفوا بذنوبهم ومن غيرهم ، فقال : (خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها).
أخرج ابن جرير عن ابن عباس قال : لما أطلق رسول الله صلىاللهعليهوسلم أبا لبابة وأصحابه جاءوا بأموالهم إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقالوا له يا رسول الله هذه أموالنا فتصدق بها عنا ، واستغفر لنا ، فقال : «ما أمرت أن آخذ من أموالكم شيئا».
فأنزل الله تعالى (خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً ....) الآية (٢).
وقال الإمام ابن كثير : أمر الله تعالى ـ رسوله أن يأخذ من أموالهم صدقة يطهرهم ويزكيهم بها. وهذا عام وإن أعاد بعضهم الضمير في أموالهم إلى الذين اعترفوا بذنوبهم.
ولهذا اعتقد بعض مانعي الزكاة من أحياء العرب أن دفع الزكاة إلى الإمام لا يكون ، وإنما كان هذا خاصا بالرسول صلىاللهعليهوسلم ولهذا احتجوا بقوله : ـ تعالى ـ : (خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً ....) الآية.
وقد رد عليهم هذا التأويل والفهم الفاسد أبو بكر الصديق وسائر الصحابة ، وقاتلوهم حتى
__________________
(١) تفسير ابن جرير ج ١٤ ص ١٠٥ طبعة دار المعارف.
(٢) تفسير ابن جرير ج ١٤ ص ١٠٢.