قال الجمل : «وتقدم في الأعراف منها ثمانية ، ثنتان في قوله ـ تعالى ـ (فَأَلْقى عَصاهُ فَإِذا هِيَ ثُعْبانٌ مُبِينٌ) (١) وقوله : (وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذا هِيَ بَيْضاءُ لِلنَّاظِرِينَ) (٢).
وواحدة في قوله ـ تعالى ـ : (وَلَقَدْ أَخَذْنا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَراتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ) (٣) وخمسة في قوله ـ تعالى ـ : (فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الطُّوفانَ وَالْجَرادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفادِعَ وَالدَّمَ ....) (٤). والتاسعة في هذه السورة ـ سورة يونس ـ في قوله ـ تعالى ـ : (رَبَّنَا اطْمِسْ عَلى أَمْوالِهِمْ) (٥).
ثم بين ـ سبحانه ـ موقف فرعون وملئه من دعوة موسى لهم فقال : (فَاسْتَكْبَرُوا وَكانُوا قَوْماً مُجْرِمِينَ).
والاستكبار : ادعاء الكبر من غير استحقاق ، والفاء فصيحة ، والتقدير : ثم بعثنا من بعد أولئك الرسل موسى وهارون إلى فرعون وملئه ، فأتياهم ليبلغاهم دعوة الله ، ويأمراهم بإخلاص العبادة له ، فاستكبروا عن طاعتهما ، وأعجبوا بأنفسهم ، وكانوا قوما شأنهم وديدنهم الإجرام ، وهو ارتكاب ما عظم من الذنوب ، وقبح من الأفعال.
ورحم الله صاحب الكشاف فقد قال عند تفسيره لهذه الجملة : فاستكبروا عن قبولها ، وهو أعظم الكبر أن يتهاون العبيد برسالة ربهم بعد تبينها ، ويتعظموا عن تقبلها» (٦).
ثم بين ـ سبحانه ـ ما تفوهوا به من أباطيل عند ما جاءهم موسى بدعوته فقال : (فَلَمَّا جاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنا قالُوا إِنَّ هذا لَسِحْرٌ مُبِينٌ).
أى : فلما وصل إليهم الحق الذي جاءهم به موسى ـ عليهالسلام ـ من عندنا لا من غيرنا (قالُوا) على سبيل العناد والحقد والغرور (إِنَّ هذا) الذي جئت به يا موسى (لَسِحْرٌ مُبِينٌ) أى : لسحر واضح ظاهر لا يحتاج إلى تأمل أو تفكير.
والتعبير بقوله (جاءَهُمُ) يفيد أن الحق قد وصل إليهم بدون تعب منهم ، فكان من الواجب عليهم ـ لو كانوا يعقلون ـ أن يتقبلوه بسرور واقتناع.
وفي قوله (مِنْ عِنْدِنا) تصوير لشناعة الجريمة التي ارتكبوها في جانب الحق ، الذي جاءهم من عند الله ـ تعالى ـ لا من عند غيره.
__________________
(١) الآية ١٠٧
(٢) الآية ١٠٨
(٣) الآية ١٣٠
(٤) الآية ١٣٣
(٥) الآية ٨٨ ـ حاشية الجمل على الجلالين ج ٢ ص ٣١٥
(٦) تفسير الكشاف ج ٢ ص ٢٦٤.