وَما يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (١).
وقال ابن كثير : «وروى ابن عساكر عن أنس قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم :
«اطلبوا الخير دهركم كله ، وتعرضوا لنفحات ربكم ، فإن لله نفحات من رحمته ، يصيب بها من يشاء من عباده ، واسألوه أن يستر عوراتكم ، ويؤمن روعاتكم» (٢).
ثم ختم ـ سبحانه ـ السورة الكريمة بنداء آخر ـ أمر رسوله صلىاللهعليهوسلم أن يوجهه للناس فقال : (قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ ...)
أى : قل ـ أيها الرسول الكريم ـ مخاطبا جميع الناس ، سواء منهم من سمع نداءك أم من سيبلغه هذا النداء من بعدك قل لهم جميعا : (قَدْ جاءَكُمُ الْحَقُ) المتمثل في كتاب الله وفي سنتي (مِنْ رَبِّكُمْ) وليس من أحد سواه.
(فَمَنِ اهْتَدى) إلى هذا الحق ، وعمل بمقتضاه (فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ) أى : فإنما تكون منفعة هدايته لنفسه لا لغيره.
(وَمَنْ ضَلَ) عن هذا الحق وأعرض عنه (فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها) أى : فإنما يكون وبال ضلاله على نفسه.
(وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ) أى بحفيظ يحفظ أموركم ، وإنما أنا بشير ونذير والله وحده هو الذي يتولى محاسبتكم على أعمالكم.
ثم أمره ـ سبحانه ـ باتباع ما أوحاه إليه فقال : (وَاتَّبِعْ ما يُوحى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّى يَحْكُمَ اللهُ ، وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ).
أى : (وَاتَّبِعْ) ـ أيها الرسول الكريم ـ في جميع شئونك (ما يُوحى إِلَيْكَ) من ربك من تشريعات حكيمة ، وآداب قويمة ..
(وَاصْبِرْ) على مشاق الدعوة وتكاليفها ..
(حَتَّى يَحْكُمَ اللهُ) بينك وبين قومك ، (وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ). لأنه هو العليم بالظواهر والبواطن ، وهو الذي لا معقب لحكمه.
وبعد : فهذه هي سورة يونس ـ عليهالسلام ـ رأينا ونحن نفسرها كيف أقامت الأدلة على وحدانية الله ـ عزوجل ـ وعلى كمال قدرته ، وشمول علمه ، ونفاذ إرادته ، وسعة رحمته ، وسمو عزته ..
__________________
(١) سورة فاطر الآية ٢.
(٢) تفسير ابن كثير ج ٤ ص ٢٣٤.