وذلك كما قال زعماء قريش للنبي صلىاللهعليهوسلم في شأن فقراء الصحابة : اطرد هؤلاء عن مجلسك ونحن نتبعك فإنا نستحي أن نجلس معهم في مجلسك ...» (١).
وجملة (إِنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ) تعليل لنفى طردهم.
أى : لن أطردهم عن مجلسي أبدا ، لأنهم قد آمنوا بي ، ولأن مصيرهم إلى الله ـ تعالى ـ ، فيحاسبهم على سرهم وعلنهم ، أما أنا فأكتفى منهم بظواهرهم التي تدل على صدق إيمانهم ، وشدة إخلاصهم.
وجاءت هذه الجملة بصيغة التأكيد ، لأن الملأ الذين كفروا من قومه كانوا ينكرون البعث والحساب.
وقوله : (وَلكِنِّي أَراكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ) استدراك مؤكد لمضمون ما قبله.
أى : لن اطردهم ، لأن ذلك ليس من حقي بعد أن آمنوا ، وبعد أن تكفل الله بمحاسبتهم ، ولكني مع هذا البيان المنطقي الواضح ، أراكم قوما تجهلون القيم الحقيقية التي يقدر بها الناس عند الله ، وتجهلون أن مرد الناس جميعا إليه وحده ـ سبحانه ـ ليحاسبهم على أعمالهم ، وتتطاولون على المؤمنين تطاولا يدل على طغيانكم وسفاهتكم.
وحذف مفعول (تَجْهَلُونَ) للعلم به ، وللإشارة الى شدة جهلهم.
أى : تجهلون كل ما ينبغي ألا يجهله عاقل.
ثم وجه إليهم نداء ثالثا لعلهم يفيئون إلى رشدهم فقال : (وَيا قَوْمِ مَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللهِ إِنْ طَرَدْتُهُمْ ، أَفَلا تَذَكَّرُونَ).
أى : افترضوا يا قوم أنى طردت هؤلاء المؤمنين الفقراء من مجلسي ، فمن ذا الذي يحمينى ويجيرني من عذاب الله ، لأنه ـ سبحانه ـ ميزانه في تقييم الناس ليس كميزانكم ، إن أكرم الناس عنده هو أتقاهم وليس أغناهم ، وهؤلاء المؤمنون الفقراء هم أكرم عنده ـ سبحانه ـ منكم ، فكيف أطردهم؟
والاستفهام في قوله : (أَفَلا تَذَكَّرُونَ) لتوبيخهم وزجرهم. والجملة معطوفة على مقدر.
أى : أتصرون على جهلكم ؛ فلا تتذكرون أن لهم ربا ينصرهم إن طردتهم؟ إنكم إن بقيتم على هذا الإصرار سيكون أمركم فرطا ، وستتعرضون للعذاب الأليم الذي يهلككم.
ثم أخذ نوح ـ عليهالسلام ـ في تفنيد شبهاتهم ، وفي دحض مفترياتهم ، وفي تعريفهم
__________________
(١) تفسير الآلوسى ج ١٢ ص ٣٥.