وقرأ حفص : (مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ) بتنوين لفظ كل وهو تنوين عوض عن مضاف إليه ، والتقدير : احمل فيها من كل نوع من أنواع المخلوقات التي أنت في حاجة إليها ذكرا وأنثى.
ويكون لفظ (زَوْجَيْنِ) مفعولا لقوله (احْمِلْ) واثنين صفة له.
والمراد بأهله : أهل بيته كزوجته وأولاده ، وأكثر ما يطلق لفظ الأهل على الزوجة ، كما في قوله ـ (فَلَمَّا قَضى مُوسَى الْأَجَلَ وَسارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جانِبِ الطُّورِ ناراً ، قالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ ناراً ...) (١).
والمراد بأهله : من كان مؤمنا منهم.
وجملة (إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ) استثناء من الأهل.
أى : احمل فيها أهلك إلا من سبق عليه قضاؤنا بكفره منهم فلا تحمله.
والمراد بمن سبق عليه القول : زوجته التي جاء ذكرها في سورة التحريم في قوله ـ تعالى (ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كانَتا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبادِنا صالِحَيْنِ فَخانَتاهُما ..) وابنه الذي أبى أن يركب معه السفينة.
قال الآلوسى عند تفسيره لهذه الجملة : والمراد زوجة له أخرى تسمى (واعلة) بالعين المهملة ، وفي رواية (والقه) وابنه منها واسمه (كنعان) .. وكانا كافرين» (٢).
وجملة (وَمَنْ آمَنَ) معطوفة على قوله (وَأَهْلَكَ) أى : واحمل معك من آمن بك من قومك.
والمعنى للآية الكريمة : لقد امتثل نوح أمر ربه له بصنع السفينة ، حتى إذا ما تم صنعها ، وحان وقت نزول العذاب بالكافرين من قومه ، وتحققت العلامات الدالة على ذلك ، قال الله ـ تعالى ـ لنوح : احمل فيها من كل نوع من أنواع المخلوقات التي أنت في حاجة إليها ذكرا وأنثى ، واحمل فيها أيضا من آمن بك من أهل بيتك دون من لم يؤمن ، واحمل فيها كذلك جميع المؤمنين الذين اتبعوا دعوتك من غير أهل بيتك.
وقد ختم ـ سبحانه ـ الآية الكريمة بما يدل على قلة عدد من آمن به فقال : (وَما آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ).
__________________
(١) سورة القصص الآية ٢٩.
(٢) تفسير الآلوسى ج ١٢ ص ٥٠.