يا رب! ان ابني «كنعان» (مِنْ أَهْلِي) فهو قطعة منى ، فأسألك أن ترحمه برحمتك (إِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُ) أى : وإن كل وعد تعده لعبادك هو الوعد الحق وأنت ـ يا ربي ـ قد وعدتني بنجاة أهلى إلا من سبق عليه القول منهم ، لكني في هذا الموقف العصيب أطمع في عفوك عن ابني وفي رحمتك له.
وقوله : (وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحاكِمِينَ) أى : وأنت يا إلهى ـ لا راد لما تحكم به ، ولا معقب لحكمك ، وحكمك هو الحق والعدل ، وهو المنزه عن الخطأ والمحاباة ، لأنه صادر عن كمال العلم والحكمة.
واكتفى نوح ـ عليهالسلام ـ بأن يقول : (رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي. وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ ، وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحاكِمِينَ) دون أن يصرح بمطلوبه وهو نجاة ابنه تأدبا مع الله ـ تعالى ـ وحياء منه ـ سبحانه ـ واعتقادا منه بأنه ـ سبحانه ـ عليم بما يريده ، وخبير بما يجول في نفسه.
وهذا لون من الأدب السامي ، سلكه الأنبياء ـ عليهم الصلاة والسلام ـ في مخاطبتهم لربهم ـ عزوجل ـ ومن أولى منهم بذلك؟!!
ولعل نوحا ـ عليهالسلام ـ عند ما تضرع إلى ربه ـ سبحانه ـ بهذا الدعاء لم يكن يعلم أن طلب الرحمة أو النجاة لابنه الكافر ممنوع ، فكان حاله في ذلك كحال النبي صلىاللهعليهوسلم عند ما قال لعمه أبى طالب : «لأستغفرن لك ما لم أنه عن ذلك» واستمر يستغفر له إلى أن نزل قوله ـ تعالى ـ (ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كانُوا أُولِي قُرْبى ..) (١).
وقال الشيخ القاسمى : وإنما قال نوح ذلك ـ أى : رب إن ابني من أهلى .. ألخ ـ لفهمه من الأهل ذوى القرابة الصورية ، والرحمة النسبية ، وغفل ـ لفرط التأسف على ابنه ـ عن استثنائه ـ تعالى ـ بقوله : (إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ) ولم يتحقق أن ابنه هو الذي سبق عليه القول ، فاستعطف ربه بالاسترحام ، وعرض بقوله (وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحاكِمِينَ) إلى أن العالم العادل الحكيم لا يخلف وعده (٢).
وقوله ـ سبحانه ـ (قالَ يا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ ..) رد من الله ـ تعالى ـ على نوح فيما طلبه منه.
أى : قال الله ـ تعالى ـ مجيبا لنوح ـ عليهالسلام ـ فيما سأله إياه : يا نوح إن ابنك
__________________
(١) راجع تفسيرنا لسورة التوبة ج ٦ ص ٣١.
(٢) تفسير القاسمى ج ٩ ص ٣٤٤٨.