أنه لو تصدت له جميع الآلهة لأهلكته إهلاكا.
وهكذا نراهم قد ردوا على نبيهم ومرشدهم بأربعة ردود ، تدرجوا فيها من السيئ إلى الأسوأ ، ومن القبيح إلى الأقبح .. مما يدل على توغلهم في الطغيان ، وبلوغهم النهاية في العناد والكفر والجحود.
قال صاحب الكشاف ما ملخصه : «إن نقول إلا اعتراك بعض آلهتنا بسوء ..».
أى : مسك بجنون لسبك إياها ، وصدك عنها ، وعداوتك لها ، مكافأة لك منها على سوء فعلك بسوء الجزاء ، فمن ثم صرت تتكلم بكلام المجانين وتهذى بهذيان المبرسمين.
ثم قال. وقد دلت ردودهم المتقدمة على أن القوم كانوا جفاة غلاظ الأكباد ، لا يبالون بالبهت ، ولا يلتفتون إلى النصح ، ولا تلين شكيمتهم للرشد.
وهذا الأخير دال على جهل مفرط ، وبله متناه ، حيث اعتقدوا في حجارة أنها تنتصر وتنتقم ...» (١).
والآن وبعد أن استمع هود ـ عليهالسلام ـ إلى ردودهم القبيحة ماذا كان موقفه منهم؟
لقد كان موقفه منهم : موقف المتبرئ من شركهم ، والمتحدى لطغيانهم والمعتمد على الله ـ تعالى ـ وحده في الانتصار عليهم ، ولقد حكى القرآن رده عليهم فقال :
(قالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ. مِنْ دُونِهِ ، فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لا تُنْظِرُونِ. إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ ما مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِناصِيَتِها ، إِنَّ رَبِّي عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ. فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ ما أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلا تَضُرُّونَهُ شَيْئاً ، إِنَّ رَبِّي عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ).
أى : قال هود ـ عليهالسلام ـ للطغاة من قومه بعزة وثقة (إِنِّي أُشْهِدُ اللهَ) الذي لا رب سواه على براءتي من عبادتكم لغيره.
(وَاشْهَدُوا) أنتم أيضا على (أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ مِنْ دُونِهِ).
أى : على براءتي من كل عبادة تعبدونها لغير الله ـ تعالى ـ لأنها عبادة باطلة. يحتقرها العقلاء ، ويتنزه عنها كل إنسان يحترم نفسه.
فأنت تراه في هذه الآية الكريمة يعلن احتقاره لآلهتهم ، وبراءته من شركهم ، واستخفافه
__________________
(١) تفسير الكشاف ج ٢ ص ٢٧٥.