«صبغة الله» و «صنع الله» والتقدير في (حَقًّا) : حق ذلك حقا» (١).
وقوله : (إِنَّهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ) كالتعليل لما أفاده قوله ـ سبحانه ـ (إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ) فإن غاية البدء والإعادة هو الجزاء المناسب على الأعمال الدنيوية.
أى : إن شأنه ـ سبحانه ـ أن يبدأ الخلق عند تكوينه ثم يعيده الى الحياة مرة أخرى بعد موته وفنائه.
ثم بين ـ سبحانه ـ الحكمة من الإعادة بعد الموت فقال : (لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ بِالْقِسْطِ ، وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ شَرابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْفُرُونَ).
والقسط ـ كما يقول الراغب ـ النصيب بالعدل. يقال : قسط الرجل إذا جار وظلم. ومنه قوله ـ تعالى ـ (وَأَمَّا الْقاسِطُونَ فَكانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَباً) ويقال أقسط فلان إذا عدل ، ومنه قوله ـ تعالى ـ (وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ).
والحميم : الماء الذي بلغ أقصى درجات الحرارة ، قال ـ تعالى ـ (وَسُقُوا ماءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعاءَهُمْ) أى : فعل ما فعل سبحانه من بدء الخلق وإعادتهم ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات بعدله الجزاء الطيب الذي أعده لهم ، وأما الذين كفروا فيجزيهم ـ أيضا ـ بعد له ما يستحقونه من شراب حميم يقطع أمعاءهم ، ومن عذاب مؤلم لأبدانهم ، وذلك بسبب كفرهم واستحبابهم العمى على الهدى.
وقوله : (بِالْقِسْطِ) حال من فاعل (لِيَجْزِيَ) ليجزيهم ملتبسا بالقسط.
ويصح أن يكون المعنى : فعل ما فعل ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات الجزاء الحسن بسبب عدلهم وتمسكهم بتكاليف دينهم ، وأما الذين كفروا فلهم شراب من حميم وعذاب أليم بسبب كفرهم.
قال الجمل ما ملخصه : وقال ـ سبحانه ـ (وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ شَرابٌ ...) بتغيير في الأسلوب للمبالغة في استحقاقهم للعقاب. وللتنبيه على أن المقصود بالذات من الإبداء والإعادة هو الإثابة ، والعذاب وقع بالعرض. وأنه ـ تعالى ـ يتولى إثابة المؤمنين بما يليق بلطفه وكرمه ، ولذلك لم يعينه ، وأما عقاب الكفرة فكأنه داء ساقه إليهم سوء اعتقادهم وسوء أفعالهم (٢).
وبعد أن بين ـ سبحانه ـ جانبا من مظاهر قدرته في خلق السموات والأرض ، أتبع ذلك
__________________
(١) تفسير البحر المحيط لأبى حيان ج ٥ ص ١٢٤.
(٢) حاشية الجمل على الجلالين ج ٢ ص ٣٣٤ طبعة حجازي بالقاهرة.